|
حياة (الفاروق) فصل من فصول التاريخ، تخللتها أحداثٌ عظيمة، ساسها بسلطان الدنيا، وحكمها بسلطان الدين، وروّضها بسلطان المهابة والوقار. عاش بين العظماء، والأيتام، والفقراء، والجهلاء. |
حياة ذلك (العبقري) استوعبها الشعر، مع أنه لا يحفل إلا بالخواطر، والخيال، واحتضنها النثر الفني، رغم أنه لا يعنى بالحقائق . في طريقه وهو يتفقد الرعية تستوقفه المرأة العجوز، التي تقطّعت بها سبل الحياة، وعانت مع أولادها حياة الألم، والبؤس، والتشرد، بعد أن تكالب عليها يتمٌ وفقر. هنا يهمنا موقف (الفاروق) الذي انتظم في هذه الأبيات: |
ومن رآهُ أمام القدر منبطحاً |
والنار تأخذ منه وهو يذكيها |
يستقبل النار خوف النار في غده |
والعين من خشية سالت مآقيها |
|
حياة الترف، وعيشة الملوك لها ضريبتها على المرأة التي قد حرمت منها. زوجة (الفاروق) لم يدر في خلدها أنها ستعيش كما يعيش بقية الناس، وربما كانت حياتها السابقة أثّرت في سلوكها، لكن لم يكن أمامها سوى حياة التقشف والزهد والورع، والامتثال المطلق لشريكها في الحياة. إذن هذه مادةٌ أخرى يستمد منها الشاعر قوله: |
يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها: |
من أين لي ثمن الحلوى فأشريها؟ |
ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به |
أولى فقومي لبيت المال رديّها |
|
* الفاروق قائد فطن، حصيفُ في رأيه، كبيرٌ في عقله، وأَّادٌ للفتن، خبيرٌ ببواطن الأمور، حنكته الأيام والتجارب، يعلم علم اليقين عن منافذ الشر فيعمد إلى إيصادها. في موقفه مع (نصر بن الحجاج) يدرك تمام الإدراك أن الجمال قد يكون وبالاً على صاحبه، فكان الموقف الحازم، وكان القرار الصائب، درءاً للفتنة، وسداً للذريعة؛ إذاً لا مناص من التغريب الذي جاء في قول الشاعر: |
فصحت فيه: تحوّل عن مدينتهم |
فإنها فتنةٌ أخشى تماديها |
وفتنة الحسن إن هبت نوافحها |
كفتنة الحرب إن هبت سواقيها |
|
* الانغماس في دقائق أحوال المجتمع لم يصرف الفاروق عن أدواره كقائد سياسي، بل كانت وقفاته مع أصحابه وأعدائه التي تعلّم منها القياصرة والأكاسرة، ورأوا في صور عدله مع رعيته، ورأفته بهم، ووقوفه عند الحق، وتكريس مبدأ الشورى أمنٌ وأمانٌ له. كل هذه السجايا يجلوها (حافظ إبراهيم) للمستنيرين حين يقول: |
هذي مناقبه في عهد دولته |
للشاهدين وللأعقاب أحكيها |
لعلّ في أمة الإسلام نابتةً |
تجلو لحاضرها مرآة ماضيها |
* كانت ولاتزال وستظل الأمة العربية والإسلامية منجبة لمثل هذه النماذج. |
|