Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/02/2008 G Issue 12915
الخميس 01 صفر 1429   العدد  12915
العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج
صلاح بن سعيد أحمد الزهراني

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)، وقال أيضاً (من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)، والوجاء بمعنى الحماية والحفظ من الزلل، إلا أنه نتيجة للعادات القبلية والتفاخر بالأنساب وكبر المهور التي يطلبها الآباء من راغبي الزواج، مع ارتفاع تكاليف المعيشة التي لا يستطيع معها الشاب أن يجمع مهراً بهذا الكم من الكبر حتى يحصل على عروسة، مع وجود أكثر من متنفس آخر للشهوات مثل السفر للخارج والإباحية المتاحة في بعض البلدان وتوفر المتعة المحرمة على الشبكة العنكبوتية، أدى إلى عزوف كثير من الشباب عن الزواج، وبذلك أصبح الشباب والشابات عبئاً على كاهل الأسرة الصغيرة ومن ثم المجتمع.

إن عزوف الشباب عن الزواج نتيجة لارتفاع المهور وتوفر هذه المتنفسات غير الشرعية أدى إلى ظهور وتفاقم مشكلة العنوسة في المجتمعات الإسلامية (والخليجية بصفة خاصة)، حتى أصبحت واحدة من مؤرقات الأسرة، التي تقض مضاجع الوالدين، وقد أوشكت هذه القضية أن تلامس ركائز مجتمع هو الأكثر تماسكاً ومحافظة وحرصاً على تعاليم الدين بين المجتمعات، إذ يستمد عاداته وتقاليده من صميم الدين الإسلامي، لكن الغلو في بعض العادات الدخيلة عليه بدأ ينهش ذلك التماسك، ويهدد الصمود، وإذا لم يلتفت الناس بجدية إلى جوهر القضية، فقد تهز هذه الظاهرة تلك الركائز وربما تصدعها (لا سمح الله)..

ومع اقتراب كل إجازة، تكثر الأفراح والليالي الملاح، حيث يكمل بعض الشباب نصف دينهم بالزواج الذي فيه وجاء وحصانة للشاب المسلم والشابة المسلمة، وتعم الفرحة كل صديق ويأتيهم الدعاء من كل حدب وصوب بالتوفيق والخلف الصالح.

هنا تستوقفني ملاحظات ساقها الكثير، وأوردتها في أحد أعداد جريدة (الجزيرة) الغراء قبل ما يقارب ثلاثين عاماً، وهي المبالغة في التكاليف والبذخ والبهرجة التي لا تعود بالنفع على أحد، ويتأثر بها الزوجان فقط مثل تراكم الديون، مما يفتح نوافذ عدة للخلافات الزوجية التي يترتب عليها عدم استقرار الأسرة وقد توصل إلى الطلاق وهي مشكلة أخرى لا تقل خطورة عن العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج.

لقد طال وقوفنا من هذه المسألة موقف المتفرجين، فهل آن الأوان أن نقتحم غمارها ونوجد الحلول الناجعة الميسرة حتى نزوج أبناءنا وبناتنا ونطمئن عليهم قبل الممات، إن معظم الجهود التي بذلت في هذا الصدد كانت بالكاد تلامس القشور، ودغدغة للمشاعر، فدعونا نغوص إلى عمق القضية، لنصل إلى أعماق المشكلة، ونشرحها تشريحاً واقعياً، ونواجه حقائقها بكل شجاعة، لعلنا نصل إلى الحل الذي يسهم في رفع نسبة الزواج ومن ثم خفض معدلات العنوسة وصولاً للقضاء عليها نهائياً بإذن الله.

والإعلام يلعب دوراً مهماً في تكريس بعض العادات والثقافات التي تحمل معها مرفقاتها الاجتماعية والثقافية وغيرها مما يسهم في التأثير على الزواج من حيث الفكرة والطريقة والتوقيت والهدف بل والحاجة إلى الزواج، ومن تلك التأثيرات الانجراف واللهاث وراء العلاقات العاطفية السرابية التي ترمي بالطرفين بعيداً عن شواطئ الحياة الزوجية، فيفيقان على واقع مرير، أبسط ما فيه عنوسة الطرفين، كما أن مطالب أهل العروس تكاد تثقل كاهل طالب الزواج بل تحبطه فيؤجل المشروع مرات ومرات، فضلاً عن مطالب الفتاة نفسها، سواء المادية أو طموحاتها في مواصفات الزوج التي تتمسك بها حتى تصنف عانساً، بالإضافة إلى تمسك البعض منهن بشرط إكمال الدراسة مما يفوت عليها قطار الزواج، كذلك العادات والتقاليد التي تركز على المهور المرتفعة، وقد يكون أهل العروس ليسوا بحاجة إلى المال أو التكاليف المبالغ فيها لكن يطالبون بذلك من باب التباهي والتفاخر وهي مجرد مظاهر واهية لا تسمن ولا تغني من جوع، بل هي من أسباب العنوسة وعزوف الشباب عن الزواج، فقل لي أيها القارئ العاقل ما الذي يستفيده العريس أو العروس من تكاليف قصر أفراح بمواصفات كذا وكذا يدفع فيها العريس دم قلبه وينفق فيها مدخراته بل وقد يستدين ليحقق لأم العروس شروطها ورغبتها في المظاهر الكاذبة، فهل فكر أحدهم أو إحداهن كيف تزوجت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وماذا كان مهرها.

أضف إلى ذلك مشكلة السكن، والارتفاع المتصاعد لإيجارات المساكن، ومما تمثله من أعباء على عش الزوجية الصغير، وكذلك تكاليف المعيشة وأعباءها المتزايدة مع غلاء الأسعار، خصوصاً لمن يعول والديه أو إخوته، فتكون عليه نار الديون ونار المعيشة وأعباؤه السابقة، فكيف سيكون وضعه النفسي وهو عريس يريد أن يستمتع بحياته الزوجية؟!

وهناك أيضاً بعض الأسباب المتعلقة بالشباب إذ يشترط الكثيرون شروطاً قاسية ويطلبون مواصفات شبه تعجيزية، منها الجمال الخارق بحيث يجد الشباب أعداداً من الفتيات المتميزات في الجمال ويطلبون المزيد، كما أن جشع الخاطبات يجعل البعض يستكثر الأموال التي يتطلبها الزواج فيصرف النظر عن الفكرة من أساسها.

أما الآثار والمشكلات التي تترتب على ذلك الواقع فإن أغلبها يتمثل في احتضان المجتمعات لأعداد كبيرة من الفتيات العانسات، ووجود طاقة شبابية تبحث عن الزواج ولا تجد له سبيلاً، وهذا قد يدفع البعض إلى السفر للخارج بحثاً عن المتعة الحرام، وما أدراك ما المتعة التي تجر وراءها المعصية والندم والعقد النفسية التي تلازم البعض وكذلك الأمراض الفتاكة التي تجلبها الممارسات المحرمة والعياذ بالله، هذا بالإضافة إلى زواج بعض السعوديات من أجانب، دون دراسة ممحصة مع اختلاف عادات وتقاليد المجتمعات مما يجر وراءه مشكلات لا تنتهي، ومن يتابع الجهود التي تقوم بها جمعية أواصر الخيرية يدرك حجم المشكلة، أو انتشار زواج المسيار بالصورة التي تؤثر على الزواج العادي المألوف.

إن تقاليدنا أقيم من ذلك بكثير، وتعاليم ديننا لم تترك شاردة ولا واردة إلا احتوتها وبصرتنا بها، ونحن أكثر المعنيين باتباع تلك التعاليم والتواصي بها، حيث بلادنا (ولله الحمد) موئل الحرمين الشريفين وقبلة العالمين، ومقصد الحجاج والمعتمرين والزائرين، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاثة حق على الله عونهم ثم ذكر منهم (الناكح يريد العفاف)) وقال أيضاً: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه) وفي حديث آخر (خيرهن أيسرهن مؤونة).

إني والله أرغب في خلع شوكة العنوسة من جسد هذا المجتمع ورأب الصدع عند الشباب، وأطالب بالرحمة لهؤلاء الشباب الذين أوصى بهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحثهم القرآن على التحصين بالزواج، وعلى حمايتهم من مخاطر عدم الزواج، ونحن نخشى على المجتمع مما لا يحمد عقباه وعلى الشباب والفتيات مما نكره، ومما يؤدي إلى التهلكة.

أختم بهذا الدعاء (اللهم اهدِ الآباء والأمهات والشباب والشابات لما تحبه وترضاه، واحمهم واحفظهم مما لا ترضاه، ووفق شباب هذه الأمة الموحدة بك، وصلي وسلم على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واختم لنا بجنة عرضها السموات والأرض يا سميع الدعاء).






 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد