اعتاد بعض الكتاب في مطلع كل عام هجري جديد أن يكتبوا خواطر حول العام والأيام ورحيل الأعمار ورحيل الشباب وقدوم الشيب، وأنا لن أحاول الغوص في بحر هذه الخواطر على الأقل في هذه المقالة لأن الحديث عن العام الذي مضى والعام الجديد سيكون مشبعاً بعواطف مثيرة بين حنين وعرض آمال بين السفر للأيام والمستقبل المجهول بين الشباب الذي كان والترحيب بالخضاب بين ما كان وما سيكون وهكذا..
صحيح أن رحيل الأعوام وانقضاء الأيام وتصرم العمر من أكثر الموضوعات التي يكتبها العرب لأنهم يفارقون ذكريات ويلهب مشاعرهم حنين لأمكنة وأزمنة وحكايات ولحظات لا يمكن أن تبارح الذاكرة ومرور الأعوام إشارة قوية إلى أن الدنيا سفر ومحطات.
وأنا أرى أن مجرد التفكير ولو للحظات في رحيل عام وقدوم عام جديد هو درس يحتاج إلى أن تكتب سطوره على صفحة الحياة أو سبورة العمر للتأمل في مشوار العمر الذي طوى صفحة وها هو على موعد في فتح صفحة جديدة لعام جديد، فالأيام لا تقف والزمن لا يعود للوراء وهي فرصة للتأمل في مساحات النجاح التي تحققت ومسافات الفشل التي قطعناها عبثاً وكم نجحنا في اجتياز محن واختبارات في هذه الحياة وكم رسبنا في تخطي عقبات وكان بالإمكان تجاوزها لو التفتنا لها بعزيمة وصبر.
في هذا المقال وأنا أتحدث عن العام الجديد سأحاول أن أجعله يدور في ميدان التربية والتعليم لأن درس الزمن من أقوى الدروس التي يجب أن يفرد لها مدير المدرسة والمعلم والتربوي بشكل عام صفحات لتسجيل مفردات الدرس الأول كالعطاء والأمل والعزم والتصحيح... إلخ.
أتذكر عندما كنت مع طلابي في الصف الذي كنت أدرسّ فيه وكنا على مقربة من توديع عام هجري أن وضعت ورقة أمام كل طالب ثم طلبت تلوين وجهها الأول باللون الأصفر الخفيف بالألوان الخشبية ووجهها الثاني باللون الأخضر الخفيف ثم قلت على الوجه الأصفر اكتب أشياء أفرحتك وأخرى أحزنتك في العام المنصرم وبعد أن انتهوا قلت وعلى وجه الورقة الأخضر اكتب أمنياتك وآمالك وما تريد أن تحققه في العام الهجري الجديد وكنت أرمي من هذا العمل مع طلابي على الرغم من صغر أعمارهم فهم في الصف السادس الابتدائي أن يتعلموا مما مضى وأن يشحذوا الهمة عندما يرسموا آمالهم للعام الجديد وقد وجدتهم فرحين سعداء بما يقومون به ناهيكم عن الأغراض التربوية التي حققتها في مثل هذا المنشط البسيط وهي كثيرة فقد منحتهم الثقة وفرصة التعبير عن مشاعرهم وفرصة تسطير آمالهم المستقبلية وأفادني في معالجة من شعرت بأنه حبيس مشكلة ولكنه لم يجد من يساعده على الإفصاح بها ولو عبر التنفيس الكتابي، أتمنى لو جرب كل معلم هذا النشاط البسيط ولكنه ذات معان كبيرة ودلالات ليست بالسيطة مع طلابه، وسيرى أنه قدم لهم أعظم درس في محتواه وأكثر من مادة ورسالة وموضوع ووقفة وعبرة يقدمها وهو يقلب أوراق التقويم مدوناً أول أيام العام الهجري الجديد على السبورة 1-1-1429هـ كأول ورقة في التقويم الجديد وأتمنى أن يتعلم طلابنا أهمية الوقت في حياتهم وكيف ينبغي أن يديروه ويستثمروه وكيف يخططون له وكيف يعيشون وفق نظام حتى لا تضيع ساعات العمر هباء منثوراً وكيف يتعرفون على قيمة الزمن فهو أغلى موجود وهو أنفس مفقود لأنه إذا رحل فلن يعود.
لذا أتمنى أن تُستثمر هذه المناسبة لتعريف طلابنا بقصة الهجرة وبداية التسمية حتى لا يفقدون هويتهم واعتزازهم بالتاريخ الهجري الذي شهدنا أن بعضهم هجره ولم يعد يستخدمه في كثير من أعماله أو تحديد مواعيده واستعاضوا عنه بشكل لافت للنظر بالتاريخ الميلادي الذي يمكن الاعتماد عليه إلى جانب الأخذ بالتاريخ الهجري لأنه جزء من تاريخ الإسلام وله دلالة عظيمة في حياة المسلم وليس هجرانه بهذه القسوة التي نلحظها عند كثير من الناس.
وكم هو جيِّد لو جرب معلم أن يدرب عاطفة طلابه ويهذبها حول موضوعنا - رحيل عام وقدوم عام - فدربهم على صنع الوفاء الحقيقي للزمان كما هو الوفاء للمكان فيتيح لهم فرص كتابة خطرات خاصة فيعطيهم فرصة لإظهار المشاعر ويجعلهم يتعلمون كيف يعبرون عن مشاعر الفرح أو اللحظات الأكثر حرجاً في حياتهم، وأنا أصب هذا التدريب في خانة تهذيب المشاعر ولكن بأساليب تربوية تسعد الطلاب الذين قد لا يرون في المدرسة أكثر من دراسة ما هو مقرر في كتبهم فقط أما ما يلامس نفوسهم ويداعب عواطفهم وينفس عن مشاعرهم فلا يجدونه في المدرسة وهذا خطأ. كل عام والجميع بخير.