سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - كان يملك قلبا رقيقا، دائم الذكر تسبيحا وتكبيرا وتهليلا، وكان حاضر الدمعة، وفيا لمن حوله من جلسائه وأقربائه، حتى أقل الموظفين عنده، وأصغر الخدم، كانوا جميعا سواء عنده - رحمه الله - لا يفرق بينهم، ينبسط معهم جميعا، ويحترم الجميع على حد سواء، يسأل عن هذا، ويجيب هذا، الصغير والكبير سواء عنده. كنت أراه هكذا فيتوارد إلى ذهني ما ورد من أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يهتم بجميع أصحابه، حتى كانت الجارية السوداء تأخذ بيده- صلى الله عليه وسلم-، فلا يزال معها حتى يقضي لها حاجتها.
ومن المواقف التي أثرت فيّ كثيرا، ولعل القارئ الكريم يود معرفتها، أننا كنا ذات يوم عند سماحته - رحمه الله - نسجل بعد عشاء يوم الجمعة الحلقات الأسبوعية لبرنامج (شرح المنتقى) وورد على الشيخ - رحمه الله - سؤال عن الحياة الطيبة، ومقوماتها، أفاض الشيخ في الإجابة عن السؤال، وفتح الله عليه في الجواب وهو يذكر ما أعد الله للمتقين من الحياة السعيدة الطيبة في الجنة كان يتحدث والعبرات تخنقه، وقد وضح عليه التأثر الشديد، وكأنما يرى نعيم الجنة رأي العين، وعندما انتهى من الحديث أطرق برأسه، وسكت برهة وهو لا يستطيع الكلام، وقد انتابته حالة من التأثر الشديد. ساد الجو صمت مطبق، وسكتنا جميعا كأن على رؤوسنا الطير، وقد سرت أحاسيس الشيخ الروحية وتأثره إلى جميع من في المجلس، وكأننا جميعا قد عشنا لحظات في تلك الحياة الطيبة، وفي تلك اللحظات المؤثرة مع كلام الشيخ عن نعيم الجنة. وأخيرا طلب منا الشيخ أن نكتفي بهذه الحلقة لشدة تأثره بهذا الموضوع، موضوع الحياة الطيبة. رحم الله سماحة الشيخ ابن باز رحمة واسعة، وأسكننا وإياه ووالدينا وجميع المسلمين دار الخلد، دار السلام، حيث النعيم الأبدي والحياة الطيبة، إنه سميع قريب مجيب.
والله من وراء القصد.