Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/02/2008 G Issue 12915
الخميس 01 صفر 1429   العدد  12915
نوافذ
ما خلف المشهد
أميمة الخميس

هل يجب أن تكون الرواية المحلية كتيباً سياحياً, يقوم بجولة شاسعة هانئة بين صفحاته على ربوع البلاد، لتبرز جوانبها الجمالية والحضارية؟

أم أنها على الجانب الآخر المضاد تتحول إلى بيان حزبي رافض وناقم مثقل بالأيدولوجيا والأفكار والعالم الذهني المفرغ من بقية الأبعاد الجمالية المطلوبة للعمل الروائي على حساب الخلقي والوعظي، أو أنها قد تكون منشوراً طفولياً ناقماً حانقاً يعلن تمرده وصيحاته بين صفحات الرواية بأقرب ما يكون إلى التحقيق الصحفي منه إلى العمل الروائي.

جميعنا نعرف أن الرواية فن لا يعنى بالمؤقت أو الآني، وغير خاضع للقضايا الاستهلاكية التي تروج على المستوى الإعلامي، بل هو عمل يحاول الروائي أن يقرأ من خلاله ما هو موجود خلف كواليس المشهد العادي، وينشئ عالمه الروائي الخاص المعجون بماء الفلسفة والفكر وجميع مفاجآت الإبداع والدهشة الجمالية.

لم أكن في البداية متحمسة لقراءة رواية Kits runner للروائي الأفغاني خالد الحسيني، نظراً لظهورها في وقت يلغط العالم بقضايا الأفغان والإرهاب والاحتلال الأمريكي هناك، وجميع الأضواء الإعلامية الكاشفة التي تسلط على تلك المنطقة، الأمر الذي من الممكن أن يفسر الرواج الذي حظيت به، والذي قد يكون نتيجة للموجة الأفغانية العارمة التي تسيطر على وسائل الإعلام والتي خلقت الكثير من الفضول والتساؤلات حولها.

لكن الطبيب الحسيني مؤلف الرواية، والتي حظيت روايته بالعديد من الطبعات وملايين النسخ، استطاع أن يحظى بانتباه القارئ من الصفحات الأولى، حيث تنهمر الأحداث بتدفق محتشد بالتفاصيل الإنسانية الصغيرة حول عائلة أفغانية ثرية، عانت ويلات الاحتلال الروسي والحكم الماركسي الجائر في ظل بلاد فقير ومحدود الموارد، ومن ثم الحروب الأهلية وانقضاض طالبان الظلامية على الحكم وجميع الويلات والمآسي التي فتت البنية التحتية، وأنهكت إنسان ذلك المكان، ودفعته إلى موجات من الفرار الجماعي إلى أقطار الأرض، في ظل غياب أولويات الكرامة الإنسانية هناك.

وعلى الرغم من أن هذه الرواية هي الأولى للحسيني، لكنها استطاعت الحصول على نجاح جماهيري واسع، من خلال التقاط للتفاصيل الإنسانية العميقة التي تختفي خلف المؤقت واليومي، دون أن يثقل السطور بالحمولة الفكرية أو الأيدولوجية، بحيث لم نسمع إطلاقاً صوت المؤلف بين السطور، كانت الشخصيات تستدير وتنضج وتتحرك وتقنع وتنمو بكامل الحرية دافعة بالأحداث إلى منتهاها.

لكن في الرواية قد نجد بعض اللمسات والأحداث التي يطغى عليها تأثير السينما الهندية أو ما يسمونها (بوليوود) ذات المفاجآت الخارقة, والمفارقات العجيبة التي يصعب تصديقها، مما يؤثر على انتظام الحبكة نوعاً ما، لكن على الرغم من هذا تبقى هذه الرواية خالية من كثافة الخطاب السياسي الإعلامي الذي يحيط بأفغانستان اليوم، مقدمة عملاً فنياً مميزاً لا يخضع للآني أو المؤقت، ولكن يملك خصائص الديمومة والخلود، بحيث تبقى الرواية هي الكتاب أو (السفر) الذي يحفظ للأمة جزءاً كبيراً من ملامحها.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6287 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد