محمد عباس عبدالحميد خلف
الفرحة بالنجاح تسعد كل قلب، والسعادة بالتميز تملأ كل روح، ولا يتوقف ذلك عند صاحب النجاح، أو محقق التميز وحده، إنما تفيض هذه المشاعر على كل من يعرف قيمة العطاء العلمي، ويقدر جهود رواد الفكر الإنساني.
ولقد جاءت مجلة (العربي) في عددها الذهبي الصادر في ذي القعدة 1427هـ - ديسمبر 2007م، بمناسبة يوبيلها الذهبي - جاءت لنا بفرحة حقيقية، واعتزاز أكثر بهذه البلاد المعطاءة.. ذلك حين جاء اختيار عشرة كتب من بين آلاف الكتب التي صدرت في العصر الحديث.. وجاء تقويمها كأكثر عشرة كتب مؤثرة بفاعلية في العقل العربي في عصرنا الراهن، رغم زحام المؤثرات، وتلاطم أمواج المؤلفات.
سعادة بالغة لي، ولكل من يتصل بعالم التربية والتعليم والثقافة أن يكون كتاب (مسيرتي مع الحياة للدكتور محمد أحمد الرشيد) أحد هذه العشرة كتب، التي جاء اختيارها الدقيق بمعيار مدى التأثير في العقل العربي.
جاء ذلك في مقال للأستاذ الدكتور محمد جابر الأنصاري يتصدر مجلة العربي في عددها الذهبي هذا، قائلاً: (أتوقف لدى كتاب آخر من عطاء الجزيرة العربية والخليج، وهو كتاب (مسيرتي مع الحياة) للتربوي المخضرم، الذي عرفته عن كثب عاملاً من أجل تعليم أفضل لأجيال بلده، وأكثر تكاملاً لأبناء منطقته العربية، وهو (وزير التربية والتعليم السعودي السابق الدكتور محمد بن أحمد الرشيد).
ولقد جاء في سبب اختياره لهذا الكتاب كأحد عشرة الكتب الأكثر تأثيراً في العقل العربي في العصر الحديث (ولقد ناديت دائما بضرورة أن يكتب المسؤولون السابقون تجاربهم، وخاصة في هذا الجزء من الوطن العربي، حيث التسجيل والتوثيق نادران، ويتحاشاهما كثيرون تجنبا للإحراج. وصدور كتاب الرشيد (2007م) الذي يروي فيه تجربته في الحياة وفي التربية بتفاصيل واقعية وإنسانية دقيقة، تدل على براعته كاتباً، حيث يلمس القارئ مدى قدرته على التقاط صور الحياة بمختلف جوانبها)
ولما كنت أحد العاملين في التربية والتعليم في هذا الوطن، ومنذ عشرين عاما.. ورأيت ما تمت إنجازاته على يد هذا الوزير المعطاء.. وما استجد على الساحة التعليمية من تطور، وتحديث، وتجديد، وما ملأ الميدان التربوي من صور الحياة التربوية والتي لم نعرفها من قبل.. أرى أن من حق كل تربوي أن يعرف شيئا عن هذا الكثير من الجديد والتحديث والتطوير الذي ملأ حياتنا في عهد توليه أمانة وزارة المعارف - التربية والتعليم..
كتاب مسيرتي مع الحياة.. سجل حافل شامل لكل حياته.. منذ طفولته التي هي صورة لطفولة كل أبناء الأمة العربية.. وحتى اليوم وهو مستمر العطاء ومرموق المكانة.. مميز لدى قيادتنا، محبوب من جميع الناس في وطننا.
يتحدث الكتاب في أوله عن الطفولة الطيبة البريئة المتفاعلة مع الأهل والناس والتمسك بالقيم التي هي صبغة حياتنا، وفي مقدمتها القيام بالشعائر الدينية، فكانت صلاة الفجر مع الجماعة عملاً لم ينقطع، وكان التعاون مع الجماعة حباً راسخاً.. فهو يشارك في إقامة السد الترابي الذي تهدم، وفي حفر الخندق الطويل لدفن الجراد الصغير.
وكان شديد التأثر بالأخلاق الفاضلة كالكرم ومساعدة المحتاج، والحرص على صلاة الجنازة، واليسر في العمل، وغير ذلك مما هو شائع في حياة الناس آنذاك.
وتخطى مرحلة الدراسة الابتدائية والثانوية والجامعية فالحديث عنها ذو شجون بادئا حياته العملية أستاذاً في جامعة الملك سعود، وعميداً لكلية التربية.
وثم مديراً عاماً لمكتب التربية العربي لدول الخليج، وما كان من إنجازات غير مسبوقة في فعاليات هذا المكتب وكثرة نشاطاته.
وها هو عضو فاعل في المجلس التنفيذي في المجلس العالمي لإعداد المعلمين، ومقر أمانته في واشنطن، كان اختياره رئيساً لفريق تقويم التعليم في دولة قطر الشقيقة. ثم جاء اختياره عضواً بمجلس الشورى تأكيداً لمدى ما يتميز به من عطاء وإخلاص ويتوالى شوط الوظائف والمهام حتى كان من الاختيار وزيراً للتربية والتعليم.
وفي وزارة التربية والتعليم (المعارف) كان للأستاذ الدكتور محمد بن أحمد الرشيد اليد المعطاءة التي لم تتوقف عن التحديث والتجديد، وإدخال كل عصري من العلوم والمعارف حتى لا نكون في بُعد عن العالم من حولنا.
ها هي عباراته التي يحفظها الجميع (وراء كل أمة عظيمة تربية عظيمة)، (كلنا شركاء في التربية) تمثل منهاجاً عملياً للتربية والتعليم الآن وسوف تستمر أبداً.
والذي يستحق الوقوف أمامه طويلاً في هذا الكتاب الذي يعتبره بحق ذخيرة وسجلاً لهذه الإنجازات ما كان من التفكير والعمل والتنفيذ (لمؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية المتفوقين) فهي عمل تعليمي وطني مستقبلي لا مثيل له، وهو ما سوف يكون له حديث خاص..وشيء أهم وأجدر أن نتأمل كل كلمة فيه.. وأن يكون نبراساً لنا جميعاً في حياتنا العملية والاجتماعية..
ما أشد إعجابي بما جاء في الرسالة الشخصية التي أرسلها إليه معالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري -رحمه الله- وفيها من المعاني العظيمة ما يستحق الدراسة والتأمل.. الرسالة كانت عندما تم اختياره وزيراً للمعارف في أوائل عام 1416هـ.. جاء فيها:
1) ادخل عملك متواضعاً، احكم تصرفاتك داخل الوزارة بانضباط لا يطغى عليه انفعال يكون له ردود فعل في نفس زميل لك في الوزارة.
2) اشعر مسئوليك أنه لا تمايز بينك وبينهم، وأن وجودك معهم غايته ووسيلته لخدمة العامة، وتنشيط هذه الأهداف.
3) لا تسرع ولا تتعجل في التنقلات وفي تغيير المناهج إلا بعد تبصر ودراسة.
4) حاول أن يكون وقتك محدداً فيه حركتك - لا تتوسع في علاقاتك أكثر مما يفيد هذه العلاقات.
5) لاحظ أن كلمة محسوبة عليك - تحفظ كثيراً - وإذا فعلت شيئا جيدا لا تقل فعلت وغيرت وسويت. أنكر ذاتك تسلم من مضاعفة الحساد.
6) أرجو أن تقطع طريقك الطويل بجهدك وبصيرتك..
وغير ذلك من الوصايا الجميلة.. المفيدة.. التي عرفناها فيه عملا وسلوكاً.. حقيقياً.. وليت الجميع يعملون كما عمل الدكتور بها..
إن كل من عاصره، وعمل معه.. يعرف ويؤكد أن هذه كلها كانت سلوكياته بدون تكلف.. فقد عرفه الجميع.. متواضعاً.. رحب الصدر.. محبا للخير، لا يقف في سبيل رزق حلال يجيء لأحد.. مطمئناً إلى إخلاص الآخرين من حوله.. طموحاً، محباً للعلم ومخلصاً للتعليم، مستفيداً من تجاربه وعمله كثيراً.
(مسيرتي مع الحياة) حقاً.. خطوة خطوة لمسيرة موفقة معطاءة في حياة طويلة كلها عمل وخبرة.. كلها جهد وتطلع وإثراء.
بحق يستحق الكتاب الذي يحتاج الحديث عما فيه عدة مقالات أن يكون الأكثر تأثيراً في العقل العربي المعاصر.. وأن يكون أحد عشرة الكتب التي هي الأكثر في هذا التأثير.