Al Jazirah NewsPaper Thursday  07/02/2008 G Issue 12915
الخميس 01 صفر 1429   العدد  12915
الماضي يصدر مجموعته القصصية (سكيرينه)

«الجزيرة» - علي بن سعد القحطاني

صدر للزميل الأستاذ تركي بن إبراهيم الماضي باكورته القصصية (سكيرينه)، وهي مجموعة قصص قصيرة تحتوي على أربع عشرة قصة مستقاة من الواقع المعاش والتجارب الذاتية التي مر بها المبدع في بعض مشاهدها، وتختزل تلك المشاهد كماً هائلاً من التجارب ورؤاه وربما النقد اللاذع (الساخر) تجاه قضايا إدارية واقتصادية واجتماعية. تستفتح تلك المجموعة بقصة (صورة صغيرة) التي تمثل الوثيقة والتجربة الأولى للقاص تركي الماضي في عالمه القصصي البانورامي ونشرت تلك القصة - آنذاك - في ملف (أصوات) بمجلة الجيل بتاريخ 16-2-1410 ويحاول القاص أن يمارس لعبته المفضلة مع القلم ويستنشده في قصة (محاولة لكتابة شيء.. لأي شيء!!) وتبدد أحلامه وتباريحه وعشقه في قصة (كطعم السكر) التي تتشابه أحداثها مع نهاية الفيلم العربي الرومانسي القديم الذي يعرض بالأبيض والأسود (الجوازة دي مش لازم تتم)، ويسود الصمت المطبق في أحداث قصته (تأبط صمتا) وتتلون أحداثها بالخوف والحزن والشجن والأسى وتبادل النظرات في هذه (الحياة الصعبة)، وفي قصة تأملية تختتم بمشهد فنتازي (مثل ظل يتلاشى) يحاول أن يكتب شيئاً, يبحث عن قصيدة شاردة لعمر أبو ريشة تشعل جذوة الشوق يردد بكبرياء العاشق المنكسر معه وهو يقول:

قالت: مللتك اذهب لست نادمة

على فراقك إن الحب ليس لنا

وتكاد قصة (سكيرينه) تكون الأبرز في مجموعته القصصية والاسم يحمل بعداً ودلالة تاريخية واجتماعية وتعني الحارة الشعبية القديمة التي تقع في وسط الرياض يتذكرها كل من سكن فيها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وقد انمحت تلك الحارة الشعبية ولم يعد أحد يسكنها سوى الوافدين والعمال بعد أن هجرها أهلها وتوزعوا السكنى في كل أحياء الرياض. لقد كانت الرياض القديمة مختزلة في ذاك الحي الذي تلفه الحميمية بين أهلها يجمعهم الدار والمسجد وقلوبهم كصفحة بيضاء لم تلوثها بعد أدران المدينة الحديثة ولهاث أناسهم في جمع حطام الدنيا بطرق مشروعة وغير مشروعة. كان الجميع في ذاك الحي الذي أضحى طللاً يستشعر بمعاني الأخوة والألفة والنخوة والنجدة (الفزعة) قبل أن تغتال فرحتهم المدينة الأسمنتية. وتقرأ في (سكيرينه) تلك ذكريات الطفولة ويقف عليها القاص كأطلال تختزل بذكريات قديمة يتراءى له المسجد حينما كان يرافق أباه المسن إليه؛ فالمكان يعبق بالذكريات يستحضر الشخصيات ك(عبادي) عازف العود, والجار أبي محمد الذي يسمى (راعي الشفر)؛ لأنه كان يتباهى - آنذاك - بسيارته الأمريكية الزرقاء، وبيت (هدى) البنت التي كانت تغيظ الأطفال بصوتها العالي وتشاكس الصبيان.

والمجموعة القصصية (سكيرينه) تضم قصصاً أخرى تحمل في طياتها نقداً لاذعاً للفساد الإداري والمماطلة البيروقراطية المملة في تنفيذ قراراتها كما يتضح في أحداث قصة (ممتنا لانهزامي) كما تتناول تلك المجموعة شقاء الكادحين في قصة (بالأسود والأبيض) التي تدور أحداثها في شارع الثلاثين بالرياض، وتحاول المجموعة القصصية أن تلامس قضايا الأمة العربية مستلهمة قراءة التاريخ الإسلامي المجيد في الدفاع عن كثير من قضاياها مستحضرة القصيدة الشهيرة (لا تصالح!) لأمل دنقل كما يظهر ذلك في قصة (كغثاء السيل)، والمجموعة القصصية تستحق الوقوف عند كثير من مشاهدها وقد نالت إعجاب القراء وتساؤلاتهم من خلال تعليقاتهم عليها كما هو مرصود في المنتديات الإلكترونية. من جملة تلك القصص القصيرة (خدود البنات) و(ع ر ب) وقد ذيل القاص الماضي مجموعته بقصص قصيرة جدا اختزل كثيراً من أفكاره ورؤاه في ومضة ومشاهد قصيرة تتناسب وإيقاع العصر الحديث الذي يلهث سريعا خلف وجباته الغذائية وهموم حياته اليومية من عناوين تلك القصص السريعة جدا - على حد تعبير المؤلف -: (قصص قصيرة جدا), ((موعد), (بطاقة) (نسيان) (هاتف), (تاريخ).

الجدير بالذكر أن الزميل الأستاذ تركي بن إبراهيم الماضي صدر له كتاب (الخطوة الأولى) قبل خمس سنوات عرض فيه تجارب المبدعين، وللماضي تجربة في الكتابة الساخرة، خصوصا في المقالات الاجتماعية التي وجدت تجاوبا من المسؤولين والقراء، على حد سواء.

من أجواء المجموعة نقتطع جزءًا من قصة (سكيرينه):

أترك بيتنا وأمشي لآخر الزقاق، وأحاسب ذاكرتي حساباً شديداً. هذا بيت أبي محمد كنا نسميه راعي (الشفر) لأنه كان يتباهى بسيارته الأمريكية الزرقاء ويفاخر بها ولا يدعنا حتى نقترب منها لنكتشف سر تعلقه بها. وهذا بيت البنت حصة التي تزوجت عجوزاً غنياً فتبدل حال أهلها وسرعان ما غادروا الحارة. أتذكر وجهها الصافي وبشرتها الحنطية وشعرها الأسود المسدل على ظهرها. وردة كانت ولكنها بيعت بثمن بخس، عبادي عازف العود هو الوحيد الذي ظل يبكيها ويذكر الحارة بها بأغانيه الشجية عنها.

توقفت عند بيت (الداشر)، أبوه كان يناديه هكذا على الرغم من أن اسمه محمد، مرة سألت أخي الذي يكبرني: لماذا اسمه (الداشر)؟.. أجابني: لأنه يمشي مع ناس (دشير) مثله! تقبلت الحقيقة كما هي ولم أسأل: لمَ هم أيضاً (دشير)؟!

مررت ببيت هدى البنت التي كانت تغيظ الأطفال بصوتها العالي. كانت تشاكسنا كثيراً وتلعب معنا كرة القدم، وإذا سمعت من يوبخها على أنها بنت، كانت تصرخ به: أنا أخت الرجال! مصيبة هدى، إنها كانت البنت الوحيدة بين سبعة ذكور!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد