يزخر المجتمع السعودي كغيره من المجتمعات العربية النامية، بالعديد من الظواهر والاشكاليات التي تحتاج إلى سياسات، وأساليب علاج وتعامل، وقبل ذلك تحتاج إلى تحديد ماهياتها وطبيعتها، ونظرة المواطنين منها، من أجل اعتماد الحلول لها وتبويب مداخل معالجتها وتفسيرها من منطلقات علمية تعتمد على إحصاءات الرقم وحقائق الدراسات، التي هي من الأهمية بمكان في الدخول والولوج إلى حيثيات الظواهر وتحديد المؤشرات، وتكوين المعطيات.
هذا الكلام يقودنا إلى الحديث عن مدى وجود وفعالية استطلاعات الرأي في مجتمعاتنا العربية ومدى أيضاً الاهتمام بهذا المجال من طرق البحث العلمي التي أصبحت من أهم أساليب التحديد والقياس في المجتمعات المتقدمة, فمع الوجود الشحيح لطرق وأساليب استطلاع الرأي لدينا، إلا أنها لا تسهم أيضاً في تبني وتحديد السياسات المطلوبة تجاه العديد من القضايا التي تعج في فضاء العالم العربي، سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية.
كما أن المؤسسات الأكاديمية في مجتمعاتنا لا تبرأ من المسئولية في هذا المجال، حيث يفترض منها إعداد الدراسات والإحصاءات المستندة على الحقائق حول قضايا المجتمع المعاصرة، كالعنوسة، والطلاق، وتصدع رأب الأسرة، والعنف الأسري، وقيادة المرأة للسيارة وغيرها من قضايا المجتمع الذي يجب أن تحدد أطر التعامل معها من خلال دراسات أكاديمية تخرج إلى النور بعد أن تقوم بمسحها الميداني للظواهر، وأيضاً تطرح حلولها المرجوة من خلال استطلاع آراء الجمهور وتصنيفها وإبراز أقربها للحلول المنطقية المطلوبة، التي ينبغي على صانع القرار الأخذ بها ومراعاتها عند رسمه للسياسات العامة وتعامله مع ظواهر المجتمع واشكالياته.
يعلم الجميع أننا في عصر المسئولية التكافلية بين السلطة التنفيذية ومقومات المجتمع المدني، وأن مسئولية التعامل مع الظاهرة الاجتماعية بشكل عام قد أصبحت مسئولية ثنائية بين الشقين الآنفي الذكر من التأثير. وهذا ما يجعلنا نتحدث عن مفهوم التغذية الاسترجاعية، ونعني به قياس وجهات النظر العامة حول القضايا العامة أيضاً لتحديد الحلول لها وترشيدها فتكون حلولاً منطقية اعتمدت على وجهة نظر أكبر شريحة من المواطنين، واطمأنت بعد ذلك إلى ملائمة الحل وتكيفه قبل طرحه على أرض الواقع.
لا يمكن لأي مجتمع كان أن يتعامل بشكل جدي مع ما يربض على أرضه الاجتماعية من اشكاليات وظواهر، قبل معرفة مسبباتها وتحديد منطلقاتها، واستطلاع النظرة العامة لها، حينها فقط يمكن أن تأتي الحلول والتوصيات على قدر كافٍ من المتانة والصلابة التي تجعلها بمثابة الحل الجديد المبني على المعرفة العلمية الدقيقة، الذي ينهي الاشكالية ويقضي على ملامحها بعد ضمان ألا ينتج عن الحل ذاته ظاهرة جديدة تتعدى المسافات والتعاريف الإجرائية للاشكالية لتصل إلى مفهوم المشكلة.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244