يتعامل بعضنا مع مبدأ المنافسات الصحفية التي تقود الصحيفة إلى مزيد من التألق والنجاح بشكل خاطئ وبمفهوم متخلف، حين يحولها المسؤول عن هذه الصحيفة أو تلك من سباق تنافسي على تقديم عمل صحفي متميز إلى مناوشات ومناكفات لا تخدم أي هدف، وبالتالي فلا تنال بها الصحيفة حينئذ أي قدر من احترام القراء.
***
أقول هذا، وآمل ألا يفكر أيٌّ من الزملاء أنه المقصود في هذه الملحوظة، ولا أرغب منه أن يتوقف عند هذا الكلام وكأنه المعني به، مثلما أتمنى من القارئ أن يكون استنتاجه وتفسيره لما بين هذه السطور هما في حدود ما تحمله قراءاته الصحفية من انطباعات عن صحافتنا دون استثناء من حيث المستوى والمهنية التي تقدم بها الصحف السعودية لقرائها.
***
فالمنافسة بين الصحف للاستحواذ على القارئ قد لا تعطي للصحيفة - أي صحيفة - حصة مقنعة في بلوغ أهدافها المتوخاة، إلا إذا كان ذلك بالعمل الصحفي الجاد الذي يرتكز على النزاهة والصدق والتسامي في النشر، بما يقود نحو تحقيق النجاح المتوخَّى من خلال الجهد المبذول في هذا الاتجاه. ومن الطبيعي أن ذلك يتطلب المزيد من الاهتمام ليطور كل مسؤول من مستوى صحيفته، بعيداً عن ازدراء مستوى صحف الغير، أو التقليل من أهميتها، أو التفرغ لإعطاء معلومات ينقصها الصدق بقصد التأثير على مسيرتها كصحف منافسة.
***
هناك أوجه كثيرة، وطرق عديدة، وأساليب مختلفة، وكلها حين يتم استخدامها بشكل صحيح، فيمكن للصحيفة أن تبلغ ما تتمناه وتسعى إليه من نجاح، شرط أن تلتزم بأخلاقيات المهنة، وتنصرف قيادتها وأسرة تحريرها وكل الكوادر العاملة فيها إلى ما يمكنها من جس نبض اهتمام القارئ وتوجهه ومتطلباته من الصحيفة، وبالتالي تحقيقها لما يريده القارئ بشكل لا يخل بسمعة الصحيفة ولا يفقدها مصداقيتها، وبخاصة إذا علمنا أن أي صحيفة تحترم نفسها وتضع قارئها في موقع متقدم من اهتمامها لن تتنازل عن رسالتها وما يحيط بها من متطلبات.
***
وأنا - حقيقة - أشعر بأن السوق يتسع لعدد كبير من الصحف الناجحة، لا إلى صحيفة أو صحيفتين أو أكثر، بل إني على يقين بأن من يعتقد غير ذلك فإنه لا يملك الرؤية الواضحة لوضع السوق من حيث مقروئية الصحف، وحجم الإعلان الذي تبحث مصادره عن الصحف القوية والناجحة لشراء مساحات فيها، بما قد يتنامى حجم المساحات الإعلانية المعروضة وعدد القراء مع تعدد الصحف ذات المستويات الجيدة التي يبحث عنها عدد كبير من القراء ذوي الميول والاهتمامات الثقافية المختلفة.
***
وفي البحث عن المفقود في صحافتنا - تحديداً - فإن ما هو مطلوب منها - ضمن أمور أخرى كثيرة - أن تتخلى عن قناعات لا أرى صوابها أو صحتها، ومضمونها بأنه ليس هناك على امتداد الوطن العربي ما هو أفضل مستوى من صحافتنا؛ لأن مثل هذه القناعات تضلل وتبقي صحافتنا من حيث المستوى على ما هي عليه، برغم وجود فرص كبيرة وكثيرة أمامها نحو تحقيق المزيد من النجاحات الموعودة بها، إن هي أحسنت التعامل مع متطلبات تقوم على التجديد والابتكار والخلق مما تحتاج إليه صحافتنا وبحسب ما تمليه المستجدات في هذا العالم.
***
إن أي منتوج أو صناعة ينبغي أن يمسها التطوير الدائم، ولأن الصحافة بعمومها صناعة متجددة، فإنه ليس بمقدور الصحافة السعودية أن تبقى في ساحات المنافسات الحقيقية، كما لا يمكن لها أن تصمد في ظل سباق محموم بين الصحافة العربية للاستحواذ على مقومات وعناصر النجاح، إلا بانصراف كل صحيفة سعودية نحو فتح نوافذ جديدة تضخ من خلالها - وبتخطيط علمي مدروس - ما ينقصها من عناصر التطوير البشرية والفنية والمادية والعلمية؛ بهدف أن تصل فعلاً إلى مستويات مقنعة، لا إلى الحديث عن وجودها بشيء من الادعاء، بينما هي أوهام في عقول رؤساء تحريرها.
***
مرة أخرى، أقول - صادقاً - إن هذا الكلام لا أعني به أحداً، ولا أخص به صحيفة دون أخرى، وإن كانت هذه الكلمة وجهة نظر معارضة لمن يبالغ في حديثه عن الصحافة السعودية، وينسى أن هناك من يقرأ صحافتنا ويقرأ غيرها، وبخاصة من يملك القدرة من هؤلاء على امتلاك أدوات التقييم، بما في ذلك امتلاكهم لكل الأسلحة العلمية الخبيرة في الدفاع عن وجهة نظرهم في الصحافة السعودية ضمن المفاهيم والأعراف المتفق عليها علمياً على ما ينبغي أن تكون عليه في منافستها للصحافة العربية.