أسواق المال تملك حساسية مفرطة على التداولات اليومية، وبالمقابل تملك تبلداً كبيراً على التداولات الطويلة، تذبذب بمقدار 1000 نقطة لسبب أو لآخر خلال فترة وجيزة دليل كاف
على ذلك، لذلك فإن أي قرار يصدر من الجهة المشرعة للسوق، أو تصريح يحمل إشارات واضحة، كفيل بقلب موازين السوق اليومية واللحظية بصورة عكسية.تعرض السوق لهزات قوية خلال الأسابيع الماضية، واتجهت هيئة سوق المال إلى الصمت عملاً بمبدأ (وإن من الصمت لحكما)، ولم يعجب الكثيرين ذلك، وسمعنا سواء عبر الصحف أو القنوات الفضائية أو غيرها أصواتاً تطالب الهيئة بضرورة التدخل لاستدراك الوضع.
حالياً الوضع استقر بنسبة لا بأس بها، وجميع الأسهم عوضت كثيراً من خسائرها، وأصبح أمام الجميع متسع من الوقت والحرية ومجال أكبر للتفكير بهدوء حول قراراته حيال السوق خلال الفترة المقبلة.
كل ذلك حدث لمصلحة الجميع، وبهدوء تام، ومن غير تدخل من هيئة سوق المال أو من غيرها، والمستفيد الأكبر هو من تعامل مع السوق بهدوء، ومن لم يرهبه الهبوط القوي كما لم يغره الصعود المدوي.. دائماً مع أي قرار أو تصريح يمس أسواق المال المستفيد الأوحد هو من يملك القدرة على التعامل مع السوق قبل صدور الخبر، فإن كان الخبر سلبياً خرج من السوق قبل صدوره، وإن كان الخبر إيجابياً دخل إلى السوق قبل صدوره أيضاً، فهو يستبق الأخبار في جميع الأحوال، فلا أدري على أي أساس يطالب من يطالب الهيئة بالتدخل، هل قام باتخاذ الإجراءات اللازمة له وينتظر تصريحاً صريحاً ليدعم موقفه، أم هو لم يتخذ شيئاً، ولا يعلم أن أي تصرف له بعد صدور الخبر الذي يطالب به سيكون ضد مصلحته، سكوت الهيئة المطبق إشارة صريحة إلى قوة السوق، ولو مؤقتاً - حسب ما يبدو لي - إشارة صريحة تخاطب عقول المستثمرين والمتعاملين مع السوق بهدوء وبلا تشنج، ومن لا يبالون بصعود يوم أو هبوط آخر.. لقد مرت علينا تجارب سابقة مع تصاريح مدوية، كان بعضها كالمُسكِّن، وبعضها كالمُنشِّط للسوق، والنتيجة لا تخفى على أحد.
إن من أهم ما يجب أن يتحلى به المتداول اليومي هو معرفته بحساسية السوق المفرطة خلال التداولات اللحظية، ومحاولة استشفاف الأخبار قبل صدورها واتخاذ القرار المناسب حيال ذلك، من غير بحث عنها، أو محاولة إثارة لها.
فإن وقع الفأس في الرأس، فليس أمامه خيار أفضل من العودة للهدوء من جديد.