جريمة اغتيال السيدة بناظير بوتو رئيسة حزب الشعب الباكستاني في أحد مهرجاناتها الانتخابية يوم الخميس الموافق 27 ديسمبر 2007م، تحولت إلى مادة إعلامية ساخنة ومتنوعة الفكرة للقنوات العربية الفضائية، فقنوات ناقشت مستقبل باكستان السياسي بعد غياب شخصية فاعلة على خريطته،وقنوات أخرى حاولت تلمس خيوط الجريمة بحثاً عن المستفيد من وقوعها في ظل حالة الاضطراب السائدة على الساحة الباكستانية وتعقيداتها الممتدة إلى تضاريس أفغانستان الملتهبة، وثالثة ركزت على واقع الحركات الدينية التي تنتهج العنف ولغة الدم بدعوة الجهاد لتغيير الوضع الإسلامي الراهن، وبالذات (تنظيم القاعدة).
الشاهد أن قناة lBC اللبنانية كانت ضمن القنوات التي سلكت المسار الثالث في مناقشة تداعيات جريمة الاغتيال وارتباط ذلك بأعمال (تنظيم القاعدة)، عبر برنامجها الأسبوعي الحواري (أنت والحدث)، الذي تقدمه المذيعة المتألقة شدا عمر مساء كل يوم أحد، حيث تناولت حلقة الأحد 30 ديسمبر 2007م الواقع الحالي ل(تنظيم القاعدة) ومناقشة هذا الواقع من باب الاستفهام التالي: (تنظيم القاعدة هزائم مروعة أم مفاجآت متوقعة؟)، على خلفية مقتل بناظير بوتو، من خلال آراء ثلاثة ضيوف هم الأستاذ الفرنسي جيل كيل، والأستاذ خالد المشوح الباحث السعودي في شؤون الحركات الإسلامية والمشرف على حملة (السكينة) والقيادي الإسلامي ورئيس حركة المهاجرين في بريطانيا الشيخ عمر بكري.
تلك الحلقة شهدت في جزئها الأخير مناقشة حامية بين الشيخ بكري والأستاذ المشوح حول أعمال (تنظيم القاعدة) ومدى موافقتها للإسلام، خاصةً أن الشيخ يعتبره تنظيماً جهادياً سلفياً وليس من الخوارج، وأن (القاعديين) هم أهل الثغور، وأنهم لا يقتلون النساء والأطفال، بل يقومون بجهاد العدو الكافر حتى يخرجوه من أرض الإسلام.. إلى غير ذلك من أفكار تؤكد أن الشيخ عمر بكري من مؤيدي التنظيم عالمياً. في المقابل يرى الأستاذ المشوح أن القاعدة تنظيم (إرهابي) وفقاً لأعماله الدموية، التي راح فيها أبرياء من المسلمين وغيرهم، وأن هذه الأعمال لا يمكن أن تتوافق مع نصوص القرآن وأحاديث السنة وما كان عليه السلف الصالح.
هذا النقاش وغيره من الأطروحات الفكرية التي تمت خلال الحلقة لم تكن جديدة، فهذا هو رأي المعارضين لتنظيم القاعدة من عقلاء الأمة، يعارضه منطق المؤيدين لهذا التنظيم الدموي كالشيخ بكري الذي زعم أنه تنظيم سلفي وليس خارجياً، رغم أن أعماله الإرهابية تمت وفق (منهج التكفير) الذي يؤدي إلى استباحة الدماء وتبرير الخروج على الحكام، وإشغال الأمة في نفسها، وهو منهج الخوارج بشهادة التاريخ، أو زعمه أن القاعدة لا تقتل النساء والأطفال، وكأنه بهذا يحاول أن يغطي الشمس بغربال مخروق. فهل نسينا المجمعات السكنية في الرياض والفنادق في الدار البيضاء وعمان؟ ثم يسمي رجال القاعدة ب(أهل الثغور) وهم الذين نقلوا أتون الحروب إلى وسط العالم الإسلامي، وتسببوا في إشعال الفتنة الطائفية في العراق مع غلاة الشيعة، فضاعت المقاومة العراقية (الشريفة) ضد قوات الاحتلال في ضباب (قتال داخلي) راح ضحيته الأبرياء من شعب العراق، الذي تخلص من حكم طاغية إلى جور احتلال ثم بطش الفتنة الطائفية، وأخيراً حرب القاعدة وصحوة العشائر داخل الدائرة السنية.
أقول لم يكن ذلك الطرح جديداً أو غريباً ما دام هناك من يلمع هذا التنظيم ويراه المخلص للعالم الإسلامي، ولكن (الجديد) هو الإشارة بلغة التباهي إلى أن مقتل بناظير بوتو هو من أسلوب تنظيم القاعدة، وكأن ذلك مفخرة تضاف إلى سجل التنظيم، الذي اتضح تخبطه في السنوات الأخيرة، دون أن يدري هذا الشيخ المتباهي أن (تنظيم القاعدة)، الذي أخذ من الخوارج منهجهم التكفيري ومن القرامطة هتك حرمة الحج، قد أخذ أسلوب (حركة الحشاشين) في اغتيال الخصوم السياسيين، كونها التي ابتكرت الاغتيال السياسي بطريقة الانتحار عبر التاريخ، خاصةً أن القاعدة هي التي اغتالت ستار أبو ريشة رئيس مجلس صحوة الأنبار. والحشاشون -لمن لا يعرفهم- هم طائفة إسماعيلية أسسها الحسن بن الصباح زمن الخلافة العباسية، متخذاً من قلعة الموت (عش النسر) في إيران مركزاً لدعوته وتأسيس دولته عام 483هـ، التي تعاقب عليه زعماء وأئمة يمارسون القتل والاغتيال السياسي، حتى زالت حركتهم على يد هولاكو عام 655هـ.
kanaan998@hotmail.com