لا أحسب أن الكتابة في شأن الرجل الذي يسيء التعامل مع مسؤوليته تقبل الآن غير التعامل المباشر معها، إذ كثيراً ما أثيرت في رسائل وخواطر وأعمال أدبية بل نوقشت في منابر وخضعت للبحث العلمي وكانت مدارا للحوار الطبي النفسي بل هي من قضايا المحاكم وشؤون الحقوق الإنسانية...
ويبقى الشأن البشري تغلب عليه شقوته بضعف الإيمان وجهل القلب وظلمة العقل وقصور الأخلاق...
فالرجل الذي لا يؤدي أمانته في أهله كما يتطلب منه دوره وتفرضه عليه قوامته وتقيده به واجباته ويلزمه به دينه وترسمه له أخلاق منبثقة عن تربية إيمانية بصحة نفسية قوامها الوعي ومحركها الضابط الذاتي فإنه سيعيث فسادا وسينتهك حرمات كل ذلك من أمانة دور وأخلاق دين وواجبات قوامة وسلوك تنشئة...
ربما لا آتي بجديد في هذه السطور... فقد كتبت كثيرا في الشأن بمثل ما فعل العشرات ممن يحبرون الحروف النابضة بكآبة حياة نساء قدر لهن أن يكن في كنف رجال من هؤلاء... هم في الأصل نتاج تربية لا واعية وخلاصة تدليل غير مسؤول... فالرجل الذي يولد وينشأ على أن الدنيا لم تخلق إلا له وأن المرأة من ضمن متاعها له هو هذا الذي يستهتر بقوامته فما بال إن لم ينشأ على دين قويم ولم يغرس فيه الضابط الذاتي ذلك الذي يتحرك في داخله كلما تحرك أو فعل ليذكره بأنه إن لم يكن يرى الله فإن الله يراه...؟
ذلك الضابط الذي يجهل كثيرون أن تأسيسه مآل الضبط ومدار الكبح لصغائر النفس...
في خمس رسائل مطولة وردتني واحدة منها من كاتبتها ذاتها إذ سبق قبل سنتين من الآن أن ناقشت مشكلتها هنا...
وجميعها تنتحب آلاماً وتتضور جوعاً وتصرخ حنقاً... آلامها حياة بائسة وعيش بلا معروف... وجوع للاستقرار والأمان والود والرحمة.. وحنق من أهل كلما زاد جور الرجل زادت الطلبات بالاحتمال (لأنه رجل) وله الحق في أن يفعل ما يريد...
ثقافة ضامرة لا حيوية فيها من وعي أو معرفة أو خوف...
وفي خضم الخوض في شأن حقوق الإنسان ألا ينبغي أن يعود الآباء إلى معين الله الخالق العادل الذي لم يخلقنا هملا بل أرسل لنا المنهج القويم في تربية النفس والعقل والقلب...؟ فيه الحدود والقيود وفيه المسلك والمنطلق..؟ من ينهض الآن ليعيد النظر في سلوك أبنائه مع النساء في البيوت...؟ فإن أحسنوا بارك وإن أساؤوا عاقب...؟ وإن كان في العلاج التفريق بالإحسان... دون أن تقسر المرأة على الصبر أو تهمل عن النجاة...ف{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (2) سورة الطلاق، و{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ} (130) سورة النساء.. هذا قول الله تعالى...
فيما هناك من يقول وكيف يعاقب الكبير في بيته بعد أن خرج عن مظلة الوالدين...؟.
بلى يعاقب وتلك أساليب عديدة ومسالك مختلفة يمكن بها ضبط الحق للمرأة حين يكون من تولاها غير مسؤول...
وحين يكون الفارط في المنشأ هم الآباء أنفسهم... فقد كان الناجون بالإيمان يصلحون ذات البين ولا يربتون على أكتاف الرجال المخطئين ويكبلون في الوقت ذاته أعناق النساء في كنفهم... فالله تعالى يقول{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا} (35) سورة النساء.
تلك أمانة فمن يعي ما الأمانة...؟.