عندما سمعت وقرأت خبر نيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز (وسام الشرف الإنساني الأعلى)، كأبرز شخصية إنسانية في العالم للعام 2007م لم يكن الخبر مفاجئاً لي لما عرف عن سموه من أعمال خيرية كثيرة ومنتشرة في أنحاء المعمورة على مدى عقود من الزمن، وما جاء نيل سموه لهذا الوسام الرفيع صدفة أو نتيجة مجاملة له، وإنما تم اختياره بواسطة المجلس العالمي لتعاون الحضارات والثقافات في السويد من بين 36 شخصية عالمية، وانتهى التحكيم لاختيار شخصيتين عالميتين في العمل الإنساني، فكان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، ومعه بيل غيتس صاحب شركة مايكروسوفت ومطور برامج الكمبيوتر المعروف ومؤسس (مؤسسة بيل وميلندا الخيرية) واستحق (سلطان الخير) كما اشتهر بذلك، وسام (الشرف الإنساني الأعلى) لعام 2007م، والمجلس العالمي لتعاون الحضارات والثقافات في السويد كما هو معلوم، جهة محايدة، لا يملك غير أن يبرز لأهل الفضل فضلهم، وقد توصل لهذه النتيجة بعد تقويم شامل لسيرة ومناشط رواد العمل الخيري والإنساني في العالم كله، فقد تم ترشيح الشخصيتين المكرمتين من خلال لجان الترشح والاختيار والتحكيم حول العالم، وذلك في إطار آلية المجلس المعتمدة في دستوره والمطبقة وفق معايير النزاهة والدقة والحيادية، إذ عمد المجلس إلى تقديم أعمال وجهود المكرمين خالية من أسمائهم أو جهاتهم أو دولهم، حرصا منه على تحقيق درجة عالية من النزاهة والثقة في الاختيار، ما أسهم في اختيار كل من بيل غيتس والأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود عن نزاهة وجدارة وبلا أي نوع من المجاملة.. من ناحية أخرى فإن حجم ونوعية وأصالة العمل الخيري لدى كل من المكرمين - على الأرض - هو السبب في اختيارهما عن غيرهما لنيل هذا التكريم العالمي، وإعداد كتاب يحكي واقع جهودهما وأعمالهما الإنسانية والخيرية، التي أسهمت في تحسين ظروف الحياة للعديد من أفراد المجتمع الإنساني، إذ حظيت الأعمال الخيرية والإغاثية والصحية والتعليمية والثقافية والبيئية والاجتماعية والخدمات الإنسانية باهتمام كبير لدى الأمير سلطان بن عبدالعزيز في مجالات ومناشط وطنية عدة وإقليمية ودولية من دون تمييز بين عرق أو لون أو دين، لدرجة أنه سخر كل ما يملك حتى مسكنه الخاص لخدمة هذه الجوانب الإنسانية المشرقة، لقد أسس صاحب السمو الملكي الأمير سلطان - حفظه الله - مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية في العشرين من شهر شعبان لعام 1415هـ لتهتم بالقطاعات التنموية الثلاثة المهمة، الصحة والتعليم والتقنية، عبر مشروعات رئيسية هي مدينة سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية التي افتتحت عام 1423هـ - 2002م، وتعد أكبر مشروعات المؤسسة، وقد صممت لتكون مركزاً عالمياً في مجال التأهيل، حيث تضم المركز الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط للتأهيل الطبي للمعاقين. وتبلغ الطاقة الاستيعابية للمركز حوالي 4500 مريض سنوياً. وتشمل برامج التأهيل الطبي: برنامج تأهيل إصابات العمود الفقري، والرعاية التأهيلية للأشخاص المصابين بمختلف أنواع الشلل ويشمل برنامج تأهيل الإصابات الدماغية، حيث يجري تقديم الخدمات للمصابين دماغيا في مختلف الحوادث، أو نتيجة للاختلالات العصبية أو لاختلالات النمو. وفي المركز أيضا يوجد برنامج تأهيل مبتوري الأطراف، ويتركز العمل هنا على تقديم برنامج تأهيلي وعلاجي بعد عملية البتر أو للحالات المستقرة للبتر السابق، ومع تركيب الطرف الصناعي وعودة الشخص إلى منزله، ويعمل البرنامج وفقا لأساليب حديثة باستخدام آخر المعدات في هذا المجال.
وهناك أيضا برنامج تأهيل الجلطات الدماغية الذي يعمل على الحد من الإعاقة المرتبطة بها. كما يوجد برنامج تأهيل الأطفال والتدخل المبكر لذوي الإعاقة المرتبطة بها. كما يوجد برنامج تأهيل الأطفال والتدخل المبكر لذوي الإعاقات المختلفة، ويشمل العلاج هنا العلاج الطبيعي والتعليم الخاص. وفي مدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية عيادات خارجية تشمل كافة التخصصات الطبية.
وبرنامج سلطان بن عبدالعزيز للاتصالات الطبية والتعليمية ومركز سلطان بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وتتنوع خدمات هذه المشروعات بين الخدمات التأهيلية والطبية والاجتماعية الشاملة لفئات المرضى ذوي الاحتياجات الخاصة والمسنين وخدمات تطوير ونشر التعليم الطبي في المملكة باستخدام التقنيات المتطورة والإنجازات العلمية والتقنية وغيرها من الأنشطة إضافة إلى مشاريع الإسكان الخيرية والبرامج الأكاديمية. ويعد مركز التأهيل الطبي التابع لمؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية أكبر مركز من نوعه في الشرق الأوسط، وهو جزء من أحد المشروعات الأربعة الكبرى لهذه المؤسسة العملاقة التي تقدم خدمات إنسانية وطبية وعلمية ذات مستويات رفيعة، وتقف هذه الخدمات كنموذج للعمل الإنساني المدعوم بأحدث تقنيات العصر، فالمؤسسة هي تعبير عن الطموح اللامحدود للارتقاء بالحياة الإنسانية من خلال دعم الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع، مثل المعاقين والأطفال الذين يعانون من مصاعب معينة، ومن أعماله الخيرية الشامخة، الصندوق الخيري لمعالجة المرضى بمدينة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية وقد بلغ عدد المستفيدين منه في هذه المدة الزمنية المحدودة نحو 1373 مستفيدا. ويتولى الصندوق مساعدة المرضى ذوي الظروف الخاصة وتوفير الرعاية العلاجية والتأهيلية لهم من دون مقابل. وقد أولى سموه جهودا مميزة في خدمة الطفل بعلاجه وتأهيله وتوعية أسرته، وقد نفذت المؤسسة برنامجا مع وزارة التربية والتعليم بهدف تفعيل برامج التدخل المبكر للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتطوير آلية برنامج الدمج في مرحلة ما قبل المدرسة، ودعم مشروع وطني ذي مردود إيجابي لهذه الفئات من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتطوير إستراتيجية برامج الدمج الحالية في وزارة التربية والتعليم لمرحلة ما قبل المدرسة بالعمل المشترك بين وزارة التربية والتعليم والأمانة العامة للتربية الخاصة ومدينة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للخدمات الإنسانية (مركز تنمية الطفل)، وإعطاء الأطفال فرصة أكبر لإلحاقهم بالمدارس العادية وتقليل فرص إلحاقهم بالمراكز الخاصة، وزيادة توعية وتثقيف شرائح المجتمع بأهمية تقبل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وذلك بدمجهم مع الأطفال العاديين في الروضات والمدارس، وتدريب وإعداد الكوادر العاملة الوطنية في برامج التدخل المبكر، وتحديد الرؤية المستقبلية لتعميم البرامج في أنحاء المملكة تحت مسمى (برنامج مدينة سلطان بن عبدالعزيز للتدخل المبكر). وجهوده الخيرية والإنسانية لا تقتصر على أهل بلده فقط، وإنما تتعداها لتشمل المحتاجين خارج المملكة، خاصة في رسالته الكبرى المتمثلة في نشر التعليم، فهناك البرامج الأكاديمية مثل برنامج التربية الخاصة بجامعة الخليج العربي، وبرنامج للدراسات العربية والإسلامية بجامعة بيركلي بالولايات المتحدة، ويشمل برنامج العلماء الزائرين وطلاب الدراسات العليا، وهناك مركز الملك عبدالعزيز لدراسات العلوم العربية بجامعة بولونيا في إيطاليا، وضمن البرامج الأكاديمية أيضاً تم تنفيذ بحث علمي متكامل عن مرض الخرف بالمملكة، وقد استغرق ثلاث سنوات، وتمت طباعته وتوزيعه على الجهات التي تعنى بالمسنين.. وتقوم مؤسسته الإنسانية خارج حدود المملكة بتقديم الدعم للأيتام في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، والمشروع الطبي بكشجري في باكستان أيضاً، إلى جانب دعم جامعة الأزهر بمصر، ومركز علاج الأمراض السرطانية بالمغرب، ومركز سلطان بن عبدالعزيز لتنمية السمع والنطق بالبحرين، وإنشاء مأوى للبنات بالفلبين. ومركز عبدالعزيز بن باز للدراسات الإسلامية بجامعة ابن تيمية بالهند، والمجلس الأعلى للمساجد بألمانيا، وللمؤسسة الثقافية بجنيف، هذا إلى جانب إنشاء مدارس بغزة، ومركز الأمير سلطان لجراحة المناظير في كوسوفا.
إن حلاوة العمل الخيري لا يتذوقها بالفعل إلا من باشر العمل الخيري وعرف كيف تكون الفرحة عنده حينما يمسح دموع المحتاجين والمعوزين، ويخفف آلام المصابين ويسكن أنات المكلومين، وقد عبر عن ذلك صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز رئيس مجلس الأمناء بالمؤسسة بقوله: (إنني وأبنائي أعضاء مجلس الأمناء ومنسوبي المؤسسة وفروعها نحتسب إلى المولى - عز وجل - كل جهد نقوم به، ومهما بذلنا من جهد فإننا نتطلع إلى المزيد تجاه المجتمع بكافة شرائحه حتى تؤدي هذه المؤسسة رسالتها السامية).
من ناحية أخرى تجد عطايا الأمير سلطان واضحة سخية عبر مشروع الإسكان الخيري الذي يهدف إلى تأمين السكن المناسب للمحتاجين في مختلف مناطق المملكة، ويضم: مشروع إسكان الفحمة، ومشروع إسكان تبوك، ومشروع إسكان حائل، ومشروع إسكان نجران، ومشروع إسكان مكة المكرمة. بالإضافة إلى الوقفات الإنسانية اليومية لسموه مع كافة أبناء شعبه على كافة الأصعدة وعندما أقول اليومية فإنني أعني ما أقول فمن يعرف سموه عن قرب يعرف هذه المواقف التي لا تعد ولا تحصى لسموه الكريم وكلها تصب في مصب واحد وهو إعانة الإنسان أيا كان هذا الإنسان، فلا عجب إذاً إذا ملك قلوب شعبه بل وأمته.
لقد نال سموه قبل ستة أعوام بمدينة دبي جائزة الشيخ راشد للشخصية الإنسانية لعام 2002م، وقد قال الأستاذ محمد العبار نائب رئيس مجلس إدارة مركز راشد مخاطباً سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز: (لقد زرعتم أطيب زرع وحان الآن موسم قطاف هذا الزرع الطيب فهنيئاً لسموكم وللمملكة العربية السعودية الشقيقة فوز ابنها البار بهذه الجائزة الرفيعة).
واليوم أقول لسموه: لقد شرفت الجوائز بك أميراً للإحسان وباذلاً للمعروف وناصراً للمظلوم ومعيناً على نوائب الدهر، والبشرى لك - بإذن الله - بالجائزة الكبرى من المولى سبحانه وتعالى يوم تقسيم الجوائز.
Almajd858@hotmail.com