مما لا شك فيه أن للمرأة دوراً فعالاً في المجتمع والنهوض به والمشاركة في تطور أي أمة لأنها النصف الثاني المحرك لهذا المجتمع، وما نلاحظه في السنوات الأخيرة من بعض الكتَّاب - وهم قلة- التركيز في كتابتهم على حقوق المرأة ودور المرأة في المجتمع، وهذا الشيء إيجابي يشكرون عليه، لكن أن يتم التركيز في كتاباتهم على النواحي السلبية التي تضر بالمرأة وتخالف النصوص الشرعية والأعراف والتقاليد ويتجاهلوا النواحي الإيجابية والتي تحتاجها المرأة واقعياً وتساعدها على المشاركة والعمل في نطاق النصوص الشرعية المرعية، وهنا يحتاج المتأمل إلى وقفة.
فبعض هؤلاء الكتَّاب تجده يكتب عن حق المرأة في العمل جنباً إلى جنب في مكاتب وإدارات واحدة مع الرجل، وآخر يكتب عن حق قيادة المرأة للسيارة، وآخر يحاج ويرد على العلماء والمشايخ في حجاب المرأة، وثالث يكتب عن إعطاء المرأة حرية السفر بدون محرم، وهذه الممارسات في نظر هؤلاء الكتَّاب هي أبرز حقوق المرأة عندهم، وإذا كانت هناك برامج حوارية في إحدى الفضائيات كان أحدهم أول الضيوف يجادل ويرفع الصوت في النقاش بتبريرات وهمية لا يستند إلى أدلة أو مبررات منطقية لما يطالب به ويراه حقا وهو حق غير مشروع.
المرأة المسلمة لها حقوق وواجبات، وهذا لا يختلف عليه اثنان، وقد بينته لنا شريعتنا السمحة، وبناءً عليه فقد وضعت دولتنا - أعزها الله- ضوابط لعمل المرأة بحيث لا تخرج عن هذه الحقوق ولا تتخطى الواجبات التي أعطاها إياها الشرع، ولكن هناك من يفسر هذه الحقوق والواجبات والتي نزلت بها نصوص في القرآن والسنة - وأقصد دعاة حقوق المرأة- يفسرونها حسب ميوهم ورغباتهم وهم غير متخصصين في الشريعة وبعضهم لا يحمل المؤهل الثانوي، ومع ذلك يضعون أنفسهم أنداداً مع العلماء والمتخصصين في أمور الدين. قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}. الآية ليس ذلك فحسب بل يصفون هؤلاء الجاهلون الدعاة إلى صيانة المرأة بأنهم أعداؤها.
ومن العجب أن الذين يحمون المرأة ويخافون عليها ويحصنونها ضد المفاسد ويعطونها حقوقها وفق ما شرعه الدين يعتبرون أعداء المرأة.. أقول لهؤلاء الكتاب: إن لكم بعض المطالب السلبية، ولا أحد معكم في ذلك وفق ما أشرت سابقاً، وبعض مطالبكم ايجابي، وهذا ما يجب أن نركز عليه.
إذا أردنا فعلاً مؤازرة المرأة والوقوف بجانبها وإعطائها حقوقها فيجب إبداء الرأي بالتوسع في فتح أقسام نسائية في كل وزارة ومصلحة، كما هو حاصل في بعض الوزارات كوزارة الخارجية وفي بعض المؤسسات الحكومية كمؤسسة التأمينات الاجتماعية ومؤسسة التقاعد وكذلك بعض إمارات المناطق، وصاحب هذا المقال أول من أحدث هذا القسم في إمارة منطقة مكة المكرمة. وبالنسبة للقطاع الخاص فلنأخذ البنوك كمثال؛ فجميع البنوك في المملكة من إدارات إقليمية إلى فروع يوجد بها أقسام نسائية مستقلة، وما نشاهده من الآلاف من المدرسات والإداريات السعوديات يعملن بوزارة التربية والتعليم في جميع أرجاء المملكة، ومثيلاتهن من محاضرات وإداريات وعميدات ورئيسات أقسام يعملن في جامعاتنا وباستقلالية تامة، وقد بدأت بعض الشركات والمؤسسات حالياً بفتح أقسام نسائية وفق هذه الضوابط الشرعية؛ فالمرأة السعودية تعمل منذ سنين طويلة مع الرجل، والمطلوب - كما أشرت سابقاً- التوسع في عمل المرأة، ولكن بضوابط وليس كما يريدها البعض وأن تقوم وزارة المالية بزيادة نسبة إحداث الوظائف النسائية في كل ميزانية حتى يكون هناك توسع في التعيين.
ومن حقوق المرأة التي يجب أن ننادي بها وتعتبر إيجابية أن يتم تعيين خريجات كليات الشريعة، وهن كثر ولله الحمد، للعمل في المحاكم كمساعدات للقضاء في قضايا معينة، وخصوصاً ما يخص المرأة، تقوم باستقبال صاحبة القضية والسماع لمشكلتها وتسلُّم جميع الوثائق والمستندات التي تخص القضية ودراستها ومناقشة المرأة، وإذا كانت من القضايا التي يمكن حلها بدون الرجوع للقاضي فيتم البتّ فيها وتصديقها من القاضي بعد المناقشة معه هاتفياً أو إحالة كامل القضية للقاضي وبها خلاصة كاملة عن قضية المرأة للبت فيها. ومن حقوق المرأة التي يتطلب أن نقف معها أن يكون هناك جمعيات نسائية أو أقسام نسائية لحقوق الإنسان في كل مدينة لمساندة المرأة ومؤازرتها ضد المتسلطين من الرجال من أولياء الأمور أو الأزواج أو الأقارب، كما أن هناك نساء يرغمن على الزواج أو الطلاق ممن لا يرغبن فيه أو التنازل عن حقها في الإرث وأخذ أموالها وحقوقها بالإكراه أو تعليقها بدون طلاق، وغيرها من قضايا المرأة المتعددة، فقضية المرأة ليست محصورة في قيادة السيارات؛ فهذه قضية قرارها بيد المجتمع فهو غير مهيأ لها حاليا لتقبل الفكرة أو السفر بدون محرم فهذه تحتاج إلى ضوابط أيضا، أو الأخذ والرد في موضوع الحجاب وكل واحد يفسر الآيات والأحاديث التي نزلت في هذا الموضوع حسب ميوله ورغباته؛ فهذه الموضوعات ليس الهدف منها المطالبة بحقوق المرأة بل المطالبة بتغريب المرأة.. أقول لهؤلاء: يجب أن نوسع مداركنا ونبتعد عن عواطفنا ولا نحصر تفكيرنا في نطاق محدود، فسيأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
saud11@htmail.com