*من أصعب اللحظات.. لحظة تطرق السمع صدمة فاجعة لأحب الناس إلى قلبك.. لكنها سنة الله وقدره ولا راد لقضاء الله. رحل العجروش.. نعم رحل الجسد إلى مثواه الأخير.. وبقي ما خلده (إنجازات ومواقف ومبادئ سطرت لأبي خالد في القلوب بماء الورد) إنا لله وإنا إليه راجعون.
فماذا سأكتب.. وما عساني أن أقول.. ما أصعب المواقف.. وما ألذ الذكريات مع أب، وأخ وحبيب، هذا هو الشيخ صالح العلي العجروش.. عرفته في مثل هذا الشهر عام 1400هـ عندما زرته في مكتبه - مديراً عاماً لمؤسسة الجزيرة.. أحمل في يدي أول حركة مكتب الجزيرة بالأحساء - وقبل هذه الزيارة كنت أعرفه - جهوده حافلة بالجد والنشاط والإخلاص لرسالته.. رسالة مهنة المتاعب (كما يقال) لكنها في عقلية العجروش خدمة أمته ووطنه.. وليست وظيفة تبدأ من ساعة وتنتهي في ساعة، كلا إنها عند أبي خالد أمانة دينية.. ورسالة تحملها بل درج عليها كما قالها عنه زملاؤه وجميع موظفي هذه المؤسسة الإعلامية.. فاقتادوا منه الفدائية المخلصة وتأثروا تأثراً متواصلاً شمل جميع المكاتب الداخلية والخارجية.
فإذا كان القراء ممن لا يعرفون الفقيد معرفة شخصية إلا أنهم عرفوا آثاره وعمق وفائه وتحمله المستجد يسانده أخوه وصديقه ورفيق دربه الأستاذ خالد بن حمد المالك - رئيس التحرير - أطال الله في عمره بالصحة والعافية - فكانت جريدة الجزيرة رسالتها المتجددة يوميا تبحث عن القارئ ويجنيها عشاقها بكل لهفة وشوق دون منافس لها.
هذا الفقيد كم تحدث عنه الكثيرون هنا وهناك وقالوا نعرفه.. صفات علمية صادقة وإدارية مشرقة.. إضافة الى صفات أخرى.. من كرم الإيثار والتغاضي الكريم.
إن كل من عرفه من الناس صديقاً أو غير صديق.. قريباً أو غير قريب.. قد استشغروا اللوعة لفقده ورحيله تغمده الله بواسع رحمته - ومثل هذا الإجماع القوي لم يأت من فراغ لأن الناس - جل الناس - لا يمدحون في أعماقهم إلا من تؤهله سجاياه للمدح.
لقد عرفت أبا خالد معرفة وثيقة ويكفيني شرفاً وفخراً أنني تلميذ في مدرسة العجروش والمالك.
ومن حق المعلم على تلميذه الوصل (أما قيل من علمني حرفاً كنت له عبداً).. فبفضل ما تعملتُ فلا تمر ساعة أصلُ فيها إلى الرياض إلا وبيت الفقيد بيتي وبخاصة منذ تقاعده عن عمله في جريدة الجزيرة.. وعند استقباله لي يأخذني لمكتبته الخاصة.. ويشدني بحديثه الأدبي الثقافي وحواراته التي لا تمل.. حوارات تطرق أبواب عدة فأجد من نفسه وأسلوبه ما يشير إلى إضاءات منيرة وكم وكم تمنيت أن أنقلها للقارئ.
قال رحمة الله عليه: (الإنسان مخلوق مكلف) وتردد ذكره في القرآن الكريم وقد كرمه الله جلت قدرته بكرامة التعليم فكانت أول فاتحة في خلقه العلم الذي ميزه الله به عن سائر المخلوقات.
ومن حديث الشيخ صالح العجروش قال تغمد الله روحه بالرحمة حثه على القراءة هي وصية الرحمن قال تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1) سورة العلق. فالقراءة وسيلة حيّة من وسائل المعرفة في القديم والحديث وعن طريقها يكتسب المرء معلومات وأكثر مهارات وبها يتعرف على الكثير من بلدان العالم وحضارة سكانه وما يشيع في كل منها من عادات وتقاليد وقد تكون القراءة وسيلة لملء الفراغ تُصرفنا إلى ما ينفع ويفيد.
كان الشيخ صالح العلي العجروش مدرسة جامعة.. رغم أنني لم أتطرق إلى دوره الأبوي في بيته فأسرته أعلم مني لكن ومن المؤكد أنه أب ومربٍّ مثالي ونموذجي.
ولم يبق إلا أن أقول هي كلمة رثاء وليست كلمة تحليل أدبي ولكنني آثرت أن أشير إلى نوع من الخلق الجاد في ما تركه الفقيد من آثار ليكون موضع القدوة والاحتذاء راجياً من السميع العليم له برد المضجع وجزيل الثواب وأن يجمعنا معه في جنات الخلد.. آمين.