تساؤل يتبادر إلى ذهني كثيراً، عندما أشاهد إقبالاً على شراء الكتب أو تمجيداً للقراءة، لماذا نقرأ؟ وما يدعوني إلى هذا التساؤل هو أن لكل إنسان وجهة هو موليها، سواء باختيار نوعية الكتب أو المجالات التي يقرأ بها أو بالغرض من هذه القراءة، ومهما يكن السبب أو المجال فإن للقراءة فوائد جمة لا تخفى على كثير من الناس، إذا بها تزول كثير من علامات الاستفهام التي تنشأ نتيجة للتفاعلات الحياتية اليومية، وتنقشع غمامة الجهل التي قد تحل على بعض العقول والقلوب، وبها أيضاً نتزود بالمعرفة الضرورية التي تعيننا على متابعة سيرنا في هذه الحياة.
القراءة نعمة من نعم الله عز وجل - التي لا تعد ولا تحصى - على الإنسان، خاصة المسلم، فبالقراءة يستطيع المسلم أن يؤدي كثيراً من العبادات وعلى رأسها الصلاة، إذا أن من أركان الصلاة التي لا تقوم إلا عليها قراءة الفاتحة، وإن كان هذا ليس هو المقصود من عنوان المقال إلا أن إيراده هنا هو لتوضيح أهمية القراءة التي من أولى آثارها الإعانة على أداء العبادات، ولعله يكون قد اتضح المقصود من إيراد العنوان على شكل تساؤل مختوم بعلامة استفهام، ولكي يتضح المعنى أكثر أقول: إن هناك دوافع تقود الإنسان إلى البحث عن الكتاب وعن المعلومة، ولولاها لكان حاله كحال غيره ممن لا يعبأ بالكتاب أو بالقراءة بشكل عام، وسأحاول أن أكون عملياً أكثر في طرحي لهذا الموضوع قبل أن يطغى عليه التعبير الإنشائي المعتاد الذي قد يحيله إلى تعبير مدرسي.
إن من بديهيات الأمور أن الإنسان وهو يسعى لبذل جهد ما، يتطلع لنتيجة إيجابية يظفر بها من وراء هذا الإجهاد، وإلا وصف فعله بالحماقة والغباء لأنه أتعب نفسه بلا طائل، وسخر وقته وجهده ليذره في الهواء، كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لذلك لا بد أن يتحصل المجهد لنفسه على ثمرة جهده، على الأقل في ظنه وحسه، إذ ليس بالضرورة أن يقطف الثمرة على أرض الواقع لاحتمال وجود ما يعيق عملية الحصاد هذه، وهو ما يحصل أحياناً، لذلك وضوح الهدف والتخطيط السليم والتنفيذ الدقيق يؤدي إلى بلوغ المراد والمأمول، ومن ضمن هذه الأمور التي يُسعى لها ويبذل الجهد من أجلها القراءة، التي نحن بصدد الحديث عن أسبابها ونتائجها.
إذن نحن نقرأ لنحقق هدفاً نطمح إليه من وراء هذه القراءة، وهذا يقودنا إلى تحديد مدى ونوعية وجدوى الوصول إلى هذا الهدف أهو عام أم خاص، آني أو مستقبلي، مجدي أو غير مجدي، يمكن أن يتحقق أو لا يمكن، وهو ما يعني أن أصدقاء الكتب سعيهم شتى فيما يرمون إليه، وهم في رؤيتهم للأمور باطنها وظاهرها متفاوتون، فمن الناس من يقرأ لمجرد طلب المتعة، التي يجدها في إمرار حدقتيه في تلك الكلمات التي تشبع لديه حاجة خاصة تؤدي به إلى هذه المتعة، ومنهم من يريد إكمال معلومة ناقصة لتتضح لديه الرؤية ويصل بها إلى حل اللغز الذي حدا به لطلب هذه المعلومة في بطون الكتب وغيرها، ومنهم من يريد أن يثري بالمعلومات لتعينه على إلجام خصومه ومحاجتهم، ومنهم من يريد أن يحصن نفسه ليستفيد أولاً، ثم ليكون قادراً على تحصين غيره ممن يرى لزاماً عليه تحصينهم وإيصال نفع هذه القراءة إليهم، وكلما تمكن من بناء نفسه بالقراءة كان أكثر استطاعة على تحويل أثرها إلى غيره قريباً كان أو بعيداً.
وخلاصة هذه الدوافع التي تدفع بالإنسان إلى القراءة هي طلب المتعة والفائدة، والاكتشاف، والاستقلال، والفهم الجيد، ونفع الناس وهو في رأيي من أسمى الأهداف وأنبلها، وكلما كان النفع متعدياً كانت الفائدة أكبر والمتعة أعظم، بل ويشعر الإنسان من خلالها بأهميته وقيمته ورسالته وأنه جزء من هذا المجتمع، بل جزء من هذا العالم كله يتفاعل معه بالأخذ والعطاء إيجاباً لا سلباً، وهو ما يعني أنه ليس نكرة أو عبئاً ينوء العالم بحمله أو يزدريه لعدم نفعه أو لربما لأنانيته ونرجسيته، فالقراءة الهادفة تبلغ بالإنسان شأواً بعيداً وأفقاً عالياً رحباً، به يفيد ويستفيد، وبه ينقل تجاربه للآخرين ليغرفوا من مناهلها العذبة ويرتووا منها.
ويمكنني أن أقول إن القراءة المتعدي نفعها هي التي تستحق العناء من أجلها إن كان هناك عناء، وهي المقصود بهذا السعي وهذا الجهد، وإلا ما الفائدة من تحصيل كل هذه المعلومات من القراءة؟!
لا مانع أن يكون من ضمن أهداف القراءة أهداف خاصة، من متعة وفائدة واكتشاف وغيره، لكن الأهم من ذلك كله أن يتم تحويل هذا الهدف الخاص إلى هدف عام، وهذه المتعة الشخصية إلى متعة جماعية يسعد بها الناس كلهم كما سعد جالبها، بل إن هذا سيجعل التفاعل أكبر والمشاركة أعم، ويزيد من مساحة التنوير في عقول الناس صغيرهم وكبيرهم، وزيادة هذه المساحة تعني بالضرورة ضآلة الجهل الذي يقود الناس إلى ضد مصالحهم.
وبالنتيجة يحل العدل مكان الظلم والحق مكان الباطل والخير مكان الشر وهو المحصلة النهائية لما يرجو أن يعيشه الناس.
meena19@maktoob.com