Al Jazirah NewsPaper Thursday  31/01/2008 G Issue 12908
الخميس 23 محرم 1429   العدد  12908

هذرلوجيا
أيا راكباً
سليمان الفليح

 

منذ زمن جدنا الأعشى صنّاجة العرب كان الشاعر العربي يبتدئ القول: ب(البارحة) أو ب(أيا راكباً)، لذلك حينما وفد الأعشى إلى كسرى الفرس وقف بين يديه وأنشد:

أرقت وما هذا السهاد المؤرق

وما بي سقم ولا بي معشق

وكان المترجم يقوم بترجمة فورية لأبيات الأعشى فأخبر كسرى أن هذا الشاعر يقول لحضرتكم: إنه لم ينم الليل بالرغم من أنه ليس مريضاً ولا عاشقاً. فقال كسرى على الفور إذن اقبضوا عليه إنه يمارس اللصوصية في الليل حينما ينهجع الناس، وإلا فما الداعي إلى سهره إن لم يكن مريضاً أو عاشقاً وكاد جدنا الأعشى أن يروح في داهية لمجرد أنه قد ابتدأ قصيدته كما يبتدئ أي شاعر عربي في زمنه (أي إما بالوقوف على الأطلال أو بالسهر في ليلة البارحة)، ولكن المترجم قال لمولاه: هكذا هم العرب يبدؤون قصائدهم. لذلك حينما نبغ الشاعر بشار بن برد أعاب على سابقيه الوقوف على الأطلال وقال بيته الشهير:

قل لمن يبكي على رسم درس

واقفاً ما ضرّ لو كان جلس

وبالطبع كان قد رقق الشعر قبله وهذّبه أبو تمام وكذلك فعل البحتري والمعري.

تذكرت موقف الأعشى وأنا أستمع هذه الأيام إلى المسابقات الشعرية على القنوات الفضائية التي أعادت شعر الشباب إلى اللهجات القبلية الضيقة بعد أن قطع شوطاً طويلاً في حقبة الثمانينيات الميلادية إذ انتفت اللهجة واقتربت قصائد الشباب آنذاك من اللغة الأم الفصحى، ولكنها انتكست نكوصاً هائلاً في بداية هذا القرن الـ(21)، وأضاف عليها الشاعر الجديد تضخيم الذات حتى الانفجار ومن ثم تحدي الشعر وإهانته والتغني بالقبيلة ومسخ الحبيبة حتى التلاشي ليعرض الشاعر عضلاته على أجمل الكائنات المرأة، والتي قال الشاعر الرقيق عنها: (لا تضرب المرأة حتى بوردة) ولكن هيهات إذ لا تمر القصيدة على ناقد حصيف أو معدّ متمكن لإجازتها فالفضائيات جعلت الشعر (سداح مداح) ولمن هب ودب، وأصاب الناس القرف من كثافة الشعر اللامسؤول، فمتى تنتهي هذه المهزلة الشعرية متى؟.

لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7555 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد