يجمع المفكرون والمحللون المختصون في الشأن الأمريكي أن اهم مواد في الدستور الأمريكي هي تلك المواد التي تعالج حرية الرأي، حيث يدافع الدستور الأمريكي وبقوة عن حرية الرأي، وحرية الفكر، ولا يقبل بأي صورة الحد من حرية الرأي، وهناك العديد من القضايا فشل مقدموها بالحصول على أحكام لأن محاميّ الدفاع عن المتهمين نسبوا أفعال موكليهم إلى قيامهم بأفعالهم وفق مبدأ حرية الرأي، وظلت حرية الرأي وقوة الصحافة في نشر ما تراه توافقاً مع حق القارئ في معرفة كل ما يحدث إلى أن حصلت أحداث 11 سبتمبر 2001 حيث استغلت إدارة بوش هذه الحادثة لتخرق مواد الدستور وتقيد حرية الرأي وهو ما أظهره كتاب (الرقابة والتعتيم في الإعلام الأمريكي) الذي يرصد وقائع يقول إنها حُجبت رغم عدم عدالتها أو مأساويتها، ومنها تمويل البنك الدولي والولايات المتحدة للجدار العازل (بين إسرائيل وفلسطين) وتعذيب معتقلين حتى الموت في أفغانستان والعراق خلال استجوابهم على أيدي أمريكيين. ويقول الكاتب الأمريكي بيتر فيليبس مدير مشروع (مراقب) في الكتاب الذي قام بتحريره وحمل عنوانا فرعياً هو (أهم 25 قصة إخبارية خضعت للرقابة): إن الاتحاد الأمريكي للحريات نشر في نهاية 2005 وثيقة تسجل موت عشرات المعتقلين في أفغانستان والعراق في (جرائم حرب... ماتوا أثناء استجواب جنود (مشاة) البحرية والاستخبارات العسكرية) لهم، كما مات بعضهم بعد الاستجواب. ويضيف: إن (الوثائق تقدم أدلة لا سبيل إلى دحضها على أن المخبرين الأمريكيين عذبوا المعتقلين حتى الموت أثناء التحقيق. ومن حق الجمهور معرفة من الذي صرح بتكنيكات التعذيب ولماذا جرى التغطية على تلك الوفيات؟).
وينقل الكتاب عن جانيس كابرينسكي التي كانت تقود فرقة الشرطة العسكرية الأمريكية المسؤولة عن منشآت 17 سجناً في العراق قولها في شهادتها عام 2006 بمقر اللجنة الدولية لتقصي الحقائق في نيويورك: إن الجنرال ريكاردو سانشيز قائد قوات التحالف السابق وقع مذكرة (تجيز قائمة مفصلة بالتكنيكات الخشنة المستخدمة في التحقيقات بحيث تشمل استخدام الكلاب...) ويقول الكتاب في مقدمته: إن مشروع مراقب (يعد جزءاً من حركة الإصلاح الإعلامي) ويدار منذ بدايته عام 1976 من خلال قسم علم الاجتماع بمدرسة العلوم الاجتماعية في جامعة سونوما الأمريكية وهو (معني بالنزاهة الصحفية وحرية الإعلام في أنحاء الولايات المتحدة)، ويركز على القصص الإخبارية المهمة التي يقول إن وسائل الإعلام التابعة للشركات الكبرى تتجاهلها.
وقال أستاذ الصحافة بجامعة تكساس روبرت جينسن في المقدمة إن (تشويه صورة الزعماء الأجانب جزء من عملية خلق دعم الجماهير لمثل هذه الأعمال التي تجري بمساعدة وسائل الإعلام الإخبارية.. صور صحفيو الشركات الضخمة الهجوم الأمريكي على فيتنام الجنوبية والشمالية ولاوس وكمبوديا -ما نسميه بحرب فيتنام- الذي خلف من ثلاثة إلى أربعة ملايين قتيل في المقام الأول على أنه نتيجة غير مقصودة للسذاجة والأخطاء الحقيقية وليس حملة آثمة لتدمير دولة تحاول الخروج من فلك النفوذ الأمريكي).
وغزت الولايات المتحدة فيتنام في منتصف الستينيات وتمكنت المقاومة بوسائلها المحدودة من دحر قوات الاحتلال وكبدتها خسائر دفعت واشنطن إلى سحب قواتها في مطلع السبعينيات تحت ضغط الرأي العام المعارض للحرب. ويقارن جينسن بين الغزو الأمريكي لفيتنام و(الغزو المفجع للعراق عام 2003 واحتلاله الذي لا يزال قائماً، حيث سارع الصحفيون إلى قبول فكرة أن فشل الاستخبارات الأمريكية قاد إلى افتراضات خاطئة، ثم تبنوا هدفا جديدا لواشنطن يقول إن الحرب كانت بهدف إرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط، في حين كان (الغزو جزءا من مشروع عمره ستون عاما لتوسيع وتعميق سيطرة الولايات المتحدة على موارد النفط والغاز). ويقول الكتاب إنه رغم قرار محكمة العدل الدولية 2004 الداعي لهدم الجدار العازل وتعويض المتأثرين بإقامته فقد تم تسريع بناء الجدار (في عمق الأراضي الفلسطينية ويساعد على ضم المستعمرات الإسرائيلية وقطع التواصل الإقليمي الفلسطيني. إلا أن رؤية البنك الدولي للتنمية الاقتصادية تتحاشى أية مناقشات لمشروعية الجدار). ويضيف أنه: (في انتهاك لحكم المحكمة الدولية أسهمت الولايات المتحدة بمبلغ 50 مليون دولار في بناء بوابات على امتداد الجدار العازل. كما يثير الكتاب أيضاً شكوكاً حول التفسير الرسمي لما بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 مرجحاً حدوث (هدم تفجيري) أزيلت بمقتضاه الطوابق السفلية من (مباني) مركز التجارة العالمي بما فيها الأعمدة الصلبة بصورة سمحت بانهيارات تقترب سرعتها من سرعة السقط الحر حيث جرت الانهيارات سريعة ومتماثلة بما (يشير إلى استخدام متفجرات في الأعمدة المركزية).
وينقل عن ستيفن جونز أستاذ الفيزياء بجامعة ييل قوله إن القنابل لا الطائرات هي التي أسقطت مركز التجارة العالمي كما طالب بإجراء بحث علمي دولي (مستقل) يخضع للحسابات لا للأفكار أو القيود المسيسة فلم يحدث (أن انهار بناء هيكله من الصلب بسبب حريق. ولكن يمكن للمتفجرات أن تفصل الأعمدة الصلب عن بعضها بشكل فعال).. مرجحاً حدوث هدم تفجيري ليتم القضاء على الكثير من سجلات (فضيحة) خاصة بشركة إرنون في المبنى المكون من 47 طابقا، ويضم مقار عدد من الأجهزة السرية. ويقول الكتاب إن جونز ونحو 50 أكاديمياً وخبيراً منهم روبرت باومان المدير السابق لبرنامج الدفاع الفضائي الأمريكي (حرب النجوم) ممن أطلقوا على أنفسهم (جماعة من أجل حقيقة الحادي عشر من سبتمبر) دعوا في بيان عام 2006 إلى تحقيق دولي في الهجمات واتهموا الحكومة الأمريكية بالتعمية على (حقائق مهمة بشأن ما حدث بالفعل. ونعتقد أن تلك الأحداث ربما كانت بتنسيق من الإدارة من أجل التأثير على الشعب الأمريكي وجعله يؤيد السياسات في الداخل والخارج).
jaser@al-jazirah.com.sa