يراودني الأمل أن يشاركني بقية التشكيليين نشوة قراءتي ما تسطره أقلام نقاد تشكيليين عرب مشاهير عبر مواقع الإنترنت منهم أسعد عرابي، طلال المعلا، عز الدين نجيب، من نقد وتحليل ودراسات متنوعة تصب في مجملها في نهر الثقافة البصرية، فالكثير من الأحبة التشكيليين إن لم يكن الغالبية لا يتعاملون مع هذا الجانب التقني لاكتساب المعلومة ومتابعة جديد الساحة والتعرف على النقد وتقبُّل ما يأتي منه وارتقاء بالوعي والذائقة الذاتية قبل التعامل مع الآخر.
ففي مثل هذه المقالات والطرح العالي المستوى لأسماء لها وجود كبير ومساهمة فعَّالة في هذا المضمار تساعد على محو الأمية في الوسط التشكيلي أياً كان هذا الوسط، فقد يتسبب قصور الفهم لأبعاد الفن وأهمية دوره في سياق الثقافة وبناء الحضارة إلى إفراز فئة متطرفة لرأيها تسعى لوأد ومحاربة الرأي المقابل، تمتلك البصر وتفتقد البصيرة، غير قادرة على التعامل مع رياح النقد أو على التفاعل مع ديناميكية الفكر الإبداعي.. ومن المؤسف أن الواقع التشكيلي المحلي لا يخلو من هذه الأمية ما يدفعنا إلى المطالبة بإيجاد السبل للقضاء عليها والاستعداد لتأهيل الجيل الجديد لقبول النقد والإيمان بمبدأ تقبُّل الآخر في كل أحواله ابتداء من ردود الفعل تجاه العمل أو بالتعامل مع كل موجة جديدة أو تحرُّك نحو التطوير، ولن يتم لنا ذلك إلا بالتركيز على جانب الارتقاء بالوعي والوقوف مع من يرى فيه المرونة والشفافية والأخذ في الاعتبار أن الوعي الحقيقي الراقي لا يُبنى فقط على مؤهل عالٍٍ أو مستوى معيشة، فالأمر متعلق بتكوين نفسي صحيح البنية يخلق التوازن بينه وبين العقل ليصل به إلى فهم الأشياء في أدق أحوالها وظروفها ويحقق النتائج المرجوة منه في كيفية توجيه الفرد للتعايش مع الآخرين في سياق المنظومة البشرية بحكمة وذكاء, بالتحرك وفق متطلبات الواقع ليدفع بها إلى الولوج في حالة التأمل العميق في ما كان واحتمالات ما سيكون.
إننا في حاجة ماسة في مجالنا التشكيلي ومع منجزنا (في كل أنماط الإبداع التشكيلي) لوعي يتشكَّل بمزيج من القدرات التي تمنحنا الجرأة لعقد صداقة مع مختلف آفاق المعرفة المتاحة، بالتفاعل دون انفعال، بالقدرة على الاستنتاج والتقدم نحو الابتكار المعرفي والمنتج لتحقيق العمل الإيجابي وإزاحة السلبي، لنستطيع من خلاله فهم الأشياء والتكيُّف مع تحولاتها وتغيراتها بتجرد من كل انحياز أو تطرف.
هذا التوجه نحو التغيير يحتاج إلى وقفة جادة من قِبل كل من ساهم على مدى سنوات طويلة في الساحة ممن سكنهم الفن وانغمسوا فيه بكل أبعادة وأهدافه فأنتجوا وأبدعوا وساهموا بالرأي وأثروا الساحة باللقاءات والحوارات المباشرة، هذه الفئة ومن أتى بعدهم من المتخصصين في هذا المجال المدعمين فيه بالدراسة الأكاديمية هم من يعوّل عليهم إعادة ترتيب أوراق الساحة وإزالة ما علق فيها من شوائب وتقويم الأغصان الطرية الجادة الممتلكة للموهبة الحقة، لقد أصبحت أدوات التواصل الحديثة حجة على من يدافع عن جهله وافتقاده لها واتهامه المكتبات بتجاهل الكتاب التشكيلي المتخصص في النقد أو الدراسات أو أن يتعذر بعدم وجود فرص للسفر لجلبها، فالأمر اليوم متاح بلمسة زر على أن يسبقها تحديد الهدف الذي يمثله موقع من المواقع الرصينة الغنية بمصادر الثقافة والوعي.
MONIF@HOT MAIL.COM