Al Jazirah NewsPaper Thursday  31/01/2008 G Issue 12908
الخميس 23 محرم 1429   العدد  12908
إنسانيات
نادر بن سالم الكلباني

لو افترس نمر إنساناً لأنه لم يجد ما يسكت به جوعه غيره، نقول عن النمر وعن وحشيته وانعدام الرحمة في قلبه كثيراً، وربما نتمادى وندَّعي أن النمر أطلق ضحكاته اللئيمة وهو يتلذذ بلحم هذا الإنسان، وعندما يقتل إنسان نمراً نتغنَّى بشجاعته وقوة بأسه ونقول في مدحه أبياتاً من الشعر، على أن النمر عندما افترس إنساناً كان يهدف لإسكات جوعه بفطرة لا يصرفه شيء عنها، ولو وجد لحماً سهلاً غيره لاكتفى، والآخر الذي مدحناه لأنه منا قتل النمر دون حاجة لقتله، بل ربما قتله ليرى مدى دقة رميه أو لقتل فراغ في نفسه، وليتغنى الناس بفروسيته وشجاعته، والفرق بيِّن. تعدي إنسان على آخر في عرف كل الناس تصرف بعيد عن الإنسانية ولا يتوافق مع متطلباتها، وهكذا ظلم الإنسان لآخر أو قهره أو إيلامه لا يكون ضمن ما نقول عنه إنسانية، ونسلب هذه الصفة ممن يفعل مثل هذه الأمور التي تضر بجنس الإنسان، بعبارة أخرى كل أمر يضر بالإنسان أو يسبب له الأذى لا يدخل ضمن ما نسميه إنسانية، وعلى عكس هذا كل أمر يصب في مصلحة الإنسان هو إنسانية نطالب بها ونحث عليها، حتى وإن كانت دمارا وهلاكا لغيرها، فالإنسانية إذاً التي نتباهى بها هي نوع متفرد من الأنانية والتسلط وفرض القوانين على غير بني الإنسان. في العيد نذبح الخراف، وفي مرحنا نصطاد الطيور ونأكلها، لا نختلف عن غيرنا من الدواب في شيء ونحن نفترس دجاجة أو حملاً أو غزالاً طيباً في لحمه، نحن نحتاج لأن نأكل وعليه لابد أن نأكل مما نجد من طير ودواب؛ فذبح الخرفان وافتراس الطيور وغيرها وأكلها في عرفنا إنسانية، حتى وإن لم نهدف منها إسكات جوعنا وحاجتنا للطعام، وعلى عكس هذا يقال عن حيوان يأكل إنساناً ليسد جوعه، ولو أننا أعطينا من نعمة نبي الله سليمان - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- لفهمنا الشعارات والمقولات التي ترفعها الحيوانات التي نفترسها للمتعة والتباهي فقط بلا حول منها ولا قوة.

هذه مقدمة لفهم بعض ما تعنيه كلمة إنسانية، فهي بكل تأكيد لا تعني الرحمة، فالرحمة موجودة في قلب الحيوان على جنسه، ولا تعني المشاعر الطيبة؛ لأن هذه المشاعر تمارسها قردة مع أطفالها أو قرد يداعب أخرى، لكنها تعني في رأيي هذا العقل الذي خصنا الله به لنعبده عن قناعة، ونكون خلفاء في الأرض لنعمرها ولنحافظ على هذا التوازن والتناغم بين مقدراتها دون الإضرار بمن يسكنها معنا ناهيك عن الإضرار بأنفسنا، فإن بعدت عقولنا عن هذا فنحن وغيرنا من الدواب سواء.. والله المستعان.



naderalkalbani@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد