التاريخ الهجري مرتبط بتاريخنا وتراثنا ارتباطاً وثيقاً فالتقويم الهجري الموحد لبدايات الشهور القمرية والأعياد الإسلامية أمر في غاية الأهمية، ولكل شعب تراث يعتز به وقيم يرعاها ويحافظ عليها على مدى العصور والأزمنة باعتبار ذلك مظهر وجوده ومنبع اعتزازه، والأمة العربية الإسلامية لها من التراث الفكري والحضاري ما ليس لغيرها، ومن القيم ما تتباهى به عمن سواها اصطفاها الله واجتباها وجعلها خير أمة أخرجت للناس. ولقد ربط الله تعالى التاريخ الهجري بمسائل شرعية كالأشهر الحرم وأشهر الحج وشهر الصيام بالإضافة إلى ارتباطه بأحكام شرعية وأحداث تاريخية للأمة فهو يحفظ للأمة هويتها ويؤكد حقيقة ماضيها، فالتاريخ الهجري الذي أرخ به لهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة بداية مهمة لتكوين أمة وبناء فكر جديد وانتشار عقيدة التوحيد كحدث بارز غير مسار الدعوة الإسلامية فهي إشعاع أضاء طريق الأمة الإسلامية وملأ حياتها بالإيمان فهو يربط الأمة بصدق انتمائها وبأحداثها التاريخية وعباداتها الشرعية، وإذا نظرنا اليوم إلى واقع الشعوب الإسلامية نجد أن كثيراً منها قد تأثر بالدول الغربية وارتبط بها بالتاريخ الميلادي، وأصبح لهذا التاريخ الأهمية والصدارة بل للأسف لا يؤرخ إلا بالتاريخ الميلادي في كثير من الأحيان.
إن الإسلام هو أكثر الأديان ملاءمة لطريقة الحياة البشرية الطبيعية وقد اعتمد الإسلام في فرض الصلاة والصوم والزكاة والحج على الظواهر الطبيعية المتكررة كل يوم والمألوفة للإنسان العادي في حياته اليومية ففي الصلاة مثلا نجد أن بعض أوقاتها مرتبط مع الشمس في شروقها وغروبها وعند زوالها وقت الظهيرة، وفي الصوم يقول الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، ويقول الرسول الكريم: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته).
وفي الزكاة ترتبط الأموال بمرور الحول التي فيها الزكاة وكذلك الأشهر الحرم وهي أربعة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} كل هذا مرتبط بتاريخنا الهجري القمري فما أحرانا نحن -العرب والمسلمين- أن نتمسك بتاريخنا العربي الهجري في كل ما يكتب أو نسجل أو نؤرخ. ففي هذا اعتزاز بتاريخنا وتراثنا وديننا. ومجال فاعل في إذكاء روح الوحدة بين المسلمين والحفاظ على سماتهم وقيمهم الأصيلة. إن الاقتصار على التاريخ الميلادي وحده في كل شؤون حياتنا أمر نشاز وشاذ لا يليق بأمة تعتز بدينها وتراثها ولا بأس أن يضم إلى التاريخ الهجري التاريخ الميلادي على أن يكون للأول السبق في الذكر، وإن في الحفاظ على تاريخنا الهجري عاملاً مهماً في ترابط العالم العربي الإسلامي وتحقيقا للتضامن والتكافل بين شعوبه وأممه وتحقيق أوقات المناسبات الإسلامية.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.