رغم تغير حال مدارس تعليم القيادة لدينا من (بيروقراطية) الملف العلاقي الأخضر أو حتى البلاستيكي الشفاف وطوابير الانتظار والتوسل في كل إجراء، ليكون الحال أفضل بمراحل من السابق إلا أن الوضع الحالي لهذه المدارس يستلزم التطوير وبشكل عاجل، فالوطن يخسر سنويا الآلاف من أبنائه بسبب حوادث مرورية تتعلق بجهل السائق بالأنظمة المرورية وعدم اتباع قواعد القيادة المثالية عند التوقف، والتجاوز، والانتقال من مسرب إلى آخر!! فالعامل وبعد أسابيع من وصوله إلى المملكة يحرث شوارع المدن والمحافظات ليتعلم القيادة، وقد ذهبت أسر كاملة، ومئات الأرواح البريئة بسبب من يتعلمون القيادة في الشوارع دون ضابط، أو رابط ودون أدنى معرفة، أو مراعاة للقواعد والأنظمة المرورية. لاحظ عندما تقف عند الإشارة الضوئية كيف ينحرف الكثير من السائقين من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال دون أن يأخذون المسار الأيسر قبل الوصول إلى الإشارة بمسافة مناسبة، مما يجعل 60% من وقت الإشارة الضوئية يضيع بسبب السيارة المنحرفة، بل إن البعض منهم يغضب عندما لا تعطيه الفرصة للقيام بذلك ظنا منه أن ذلك حق مشروع له، هذا كله بسبب الجهل بالقواعد المرورية التي لم يكن ليفعلها السائق لو تم تعليمه القيادة عن طريق مدارس تعليم القيادة التي نراها في الكثير من دول العالم، بل إن ذلك مطبق منذ سنوات في الدول الخليجية الشقيقة المجاورة، التي يتعلم من خلالها السائق قواعد السير في الطريق مع مدرب فتبقى عادة يمارسها مستقبلا.
وكثيرة هي المرات التي شاهدنا فيها (الليموزين) ينحرف إلى اليمين فجأة وبدون مقدمات لمجرد أن شاهد راكبا، أو حتى توقفه في منتصف الشارع أو في موقف ممنوع ليفاوض الراكب، وكثيرون يدخلون من فتحات الخروج ويخرجون من فتحات الدخول في الأرصفة ويبقى ذلك سلوكا معتادا، مما جعل رجال المرور أنفسهم يعتادون على الكثير من الممارسات التي يرتكبها الكثير من السائقين بسبب تكرارها مئات المرات أمامهم، رغم أنها تعد في دول أخرى مخالفات تواجه بكل حزم. وقد سمعت أن هناك جهودا للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض لدراسة تطوير مدارس تعليم القيادة، ولا ندري ماذا تم في هذه الدراسة التي نتمنى أن ترى النور سريعا، لتعديل حال مدارس تعليم القيادة المائة ففي دول أخرى يتم تعليم السائق على الأسلوب العلمي للقيادة من خلال معايشة فعلية للشارع، وما يحتويه من إشارات في الوقوف والاستدارة والانتقال من مسرب إلى مسرب وقياس مدى نباهة الشخص واستيعابه للقوانين وعندما ينجح المتقدم في الامتحان النظري والعملي، يتم استخراج الرخصة له في دقائق، أو تصله في البريد، أما لدينا فأعرف شخصا استقدم سائقا اكتشف أنه لا يعرف القيادة وبدلا من أن يعيده إلى بلده أوكل لسائق جاره أن يعلمه القيادة في الحارة، وبعد أسبوع سلمه السيارة ليذهب بأبنائه للمدرسة، وقد حذرته من ذلك، وقد ارتكب ذلك السائق حادثا مروريا تلفت فيه السيارة، وقد حمدت الله أنه لم يعرضه أو أحد أفراد الأسرة للخطر، فذلك السائق الذي كانت طريقة السير في بلده تختلف عنها هنا، لم يصل إلى استيعاب نبض الشارع، والتعامل مع سلوكيات قائدي السيارات هنا لكون سلوك قائدي السيارات يختلف من بلد إلى آخر، حسب اتجاه السير، واتساع الطريق، ونوع السيارات، وثقافة السائقين، والمشاة! فتجد البعض يقود سيارته ورجله على الطبلون، ولم يربط حزام الأمان في حياته، أو تجد الأب يسير وابنه الصغير الذي لا يتجاوز ثلاث السنوات واقف في المرتبة الأمامية أو حتى جالس على أرجل الأم، ولو حصل أن توقف فجأة فإن أول من يتضرر ذلك الطفل البريء، كل ذلك لأنه لا يعلم مدى خطورة ركوب الأطفال في المقعد الأمامي، أو عدم وضعهم في كراسي التثبيت وربطهم بحزام الأمان، ولو حدث ذلك في دول أخرى لاعتبر ذلك مخالفة وجريمة يحاسب عليها السائق بسحب رخصته للأبد أو حتى يمكن أن يدخل بسببها السجن! أتمنى أن يلزم السائق بمعرفة الكثير من المعلومات، والقوانين والأنظمة المرورية، كالتصرف في الطريق عندما تكون خلفه أو أمامه حالة طارئة، كسيارة إسعاف أو مطافئ، بدلا من أن يلاحقها لتفتح له الطريق كما يحصل لدينا!! أو متى يتوقف على جانب الطريق، وكيف يتوقف عندما يتعرض لحالة طارئة؟ حيث يتحمل رجال المرور رغم ما يبذلونه من جهود كبيرة الحمل الأكبر بسبب جهل السائق، وعدم مساهمة مدارس تعليم القيادة في القضاء على الكثير من السلوكيات. إننا نريد مدارس تعليم قيادة مثالية ومتطورة ترفع من ثقافة السائق ووعيه، وترقى بذوقه وسلوكه في القيادة، لا أن تسعى إلى الربح، وعندما يتم ذلك؛ ستختفي الكثير من السلوكيات التي نراها من الكثير ممن يسيرون معنا في الطريق، وستقل الكثير من حوادث الوفيات المفجعة التي لم يخلو منها بيت بسبب المخالفات المرورية التي تتعلق بجهل السائق بأبسط القواعد المرورية.