كثير من الدراسات الاجتماعية في العالم العربي أثبتت أن عدد الأولاد في الأسرة يتناسب بصورة عكسية مع التحصيل العلمي والوعي الثقافي لكل أسرة، وهو ما يخلق بالتحديد تلك الطفرة السكانية في الكثير من البلدان دون أن يصاحب هذه الطفرة تخطيط لطبيعة الظروف المعيشية المُهيَّأة لتلك الأعداد الكبيرة التي تزاحم طريقها بصعوبة نحوالحياة.
وإن كان البعض يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، فالبعض الآخر يولد بلا ملعقة على الإطلاق، فكثيراً ما تطلعنا الصحف المحلية بأخبار كهول محدودي الدخل يزدحم منزلهم بالذرية المتفاوتة الأعمار، وجوه متجاورة كئيبة تفتقد الأولويات البسيطة التي يحتاجها طفل يتوقع من محيطه أن يوفر له حياة كريمة والحد الأدنى من الكفاف.
وقد يصنع الجهل وقلة الوعي وغياب مفهوم التنظيم والتخطيط لدى البعض هذا المشهد، الذي هو على الغالب المحصلة النهائية لتراكم عدد من الظروف والخلفيات الثقافية التي ينطلقون منها ويعكسونها، لنجد أن عجلة الزمن عند غالبيتهم قد توقفت قبل مائة عام، حينما كان كل فرد جديد يقدم إلى العائلة يمثل يداً عاملة إضافية ودخلاً يضاف إلى الأسرة سواء في الحقل أو في مراعي البادية، وأيضاً حينما كانت المجتمعات البدائية محاصرة بالأمراض والأوبئة التي كانت تحصد الكثير منهم كل عام، كانت عملية الإنجاب المستمر، والعدد الوافر من الزوجات تمثل ثقافة متأصلة لمقاومة عوامل الاندثار والفناء.وإلى الآن نجد أن جذور هذه الرؤية للعائلة ومحيطها مابرحت هي العامل الرئيس الذي يتحكم في تكوين الأسرة والإنجاب لدينا، هذا إذا علمنا أن نسبة الإنجاب لدينا هي من أعلى النسب العالمية (بحسب ما جاء في الإحصائية المحلية لعام 2004).ومن هنا نجد أن قضية الفقر والعدم التي تطالعنا بها الصحف بين الحين والآخر تمتلك جذوراً اجتماعية ثقافية تعكسها وتعبر عنها.لذا قد تكون عملية التوعية في هذا المجال ذات أثر ضئيل ومحدود للغاية، ولابد من إعادة مناقشة ملف الضمان الاجتماعي وأهمية رفع نسبة الإعانات المقدمة للأسر المحتاجة بشكل واسع وجذري، أيضاً في ما يتعلق بتقديم (إعانة بطالة) لكل فرد في سن العمل، ولا يجد عملا فمن حقه هنا أن ترعاه الدولة حتى يجد عملاً يقيه من عثرات الفقر وويلاته، كما هو معمول به في الدول المتقدمة.وأخيراً لابد من إعادة مناقشة موضوع الحد الأدنى للرواتب التي يحصل عليها السعوديون فتلك المبالغ التي تتراوح بين (1500-3000) أصبحت تقترب من الطرفة، في ظل محيط اجتماعي يعصف به الغلاء والتضخم العالمي.الفقر هو أب الشرور الاجتماعية وأمها، وهوالحاضن الأول للعنف وللجريمة والانخراط في الحركات الإرهابية المتطرفة.الكثافة السكانية المصحوبة بالجهل والفقر هي أبرز الملفات التي لابد من الالتفات لها، ومناقشة جميع تفاصيلها خلال مسيرة الإصلاح في المملكة.
****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة 6287 ثم أرسلها إلى الكود 82244