لقد أُصبتُ بهَمٍّ لا يُطاق عندما فوجئت بانتقال ابن العم فضيلة الشيخ علي بن عبدالله المسلم إلى رحمة الله، إذ كنت أفكر في تلك اللحظة أن أذهب إلى المسجد الذي كان يصلي فيه لأراه وأصحبه إلى السيارة التي تنقله إلى المنزل بعد أداء الصلاة، فكان الخبر مفاجئاً لي حيث أنني أعرف أنه كان يراجع الأطباء لكني لم أعرف أن الوضع قد وصل إلى الانتكاسة التي حصلت له والتي بسببها انتقل إلى جوار ربه.
لقد كان -رحمه الله- علماً من أعلام العلم الشرعي، وكان ذا ميزات يصعب توفرها في هذا الزمن، حيث سماحة المحيا والصمت إلا إذا دعت الحاجة إلى الكلام ولكنه كان لا يمكن أن ينفعل أو يرفع صوته عالياً، وكان وصولاً لأقاربه، كثير السؤال عنهم.
كان -رحمه الله- من الرعيل الأول من طلبة العلم في حلقة الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- الذين عرفهم معرفة تامة وقدرهم حق قدرهم. وعندما طلب منه الملك سعود -رحمه الله- عندما كان ولياً للعهد أحد العلماء ليقوم بإمامة المسجد الواقع في قصره وبإلقاء الدروس في مجلسه، اختار المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم الشيخ علي ليقوم بذلك، وقد تمسك به الملك سعود حتى وفاته، وبعدها انتقل إلى التفتيش الديني بوزارة المعارف حتى تقاعده.
كان جمَّ العلم رحب المحيا، وكانت صفاته الحسنة في العشرة والتعامل مع الآخرين مثالاً يحتذى.
وكان -رحمه الله- منذ ثلاثة أعوام يؤدي العمرة إلى بيت الله الحرام وعندما كان في المسعى قامت امرأة تدفع أحد المعتمرين بعربة متنقلة ففاجأته بالاصطدام به وسقط على الأرض بسببها وتأثرت ركبته، وعندما أراد من كان معه نهرها أمره بتركها في سبيلها وأن لا يعترض عليها أحد، ونقل بعد ذلك للعلاج، وقد أثر ذلك عليه ومنعه من المشي على القدمين لمسافة طويلة ولجأ إلى العصا وإلى الذهاب إلى المسجد بالسيارة بدلاً من السير على الأقدام الذي كان يفضله. وهذه الحالة تبين تسامحه وتجنبه التوبيخ والتقريع لأي شخص قد يسيء إليه.
لقد كان -رحمه الله- محباً للخير، متجنباً لكل ما يسيء للآخرين، عفَّ اللسان حتى أنه لا يقبل الإساءة إلى أي أحد في حضوره.
وعندما كان إماماً للملك سعود -رحمه الله- كان يعتمد عليه في الإفتاء سواء في حضره أو سفره لأنه كان من الرعيل الأول من طلبة العلم، وكانت هذه الميزة إضافة إلى حسن الصوت هي التي جعلت المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- يختاره لهذا المنصب.
لقد فقدنا بفقده علماً من الأعلام الذين أدوا رسالتهم بكل أمانة وإخلاص وكانوا مثالاً حسناً في علمهم وفهمهم وتعاملهم مع الآخرين.
إنني بهذه الكلمة الموجزة أعزي نفسي وأبناءه وبناته وكافة الأسرة والأقارب وكافة محبيه بفقده، وأرجو له واسع الرحمة والغفران ولذريته الصبر والسلوان والتوفيق الدائم.
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}