Al Jazirah NewsPaper Tuesday  29/01/2008 G Issue 12906
الثلاثاء 21 محرم 1429   العدد  12906

إبراهيم العنقري ... كان عبقرياً
د. زهير الأيوبي

 

في ذات يوم من عام ألف وثلاث مائة وتسعين للهجرة، ودّعت وزارة الإعلام وزيراً عبقرياً هو الشيخ (جميل الحجيلان) متعه الله بالصحة وحباه بالعمر الطويل، واستقبلت وزيراً عبقرياً آخر هو الشيخ (إبراهيم العنقري) رحمه الله، آنسه الله، عوضه الله الجنّة..

***

لم أكن أعرفه من قبل معرفة كبيرة، فقد زرته مرة في مكتبه في (الرياض) لأول مرة ملتمساً معونته في قضية أوقف فيها واحد من معارفي ظلماً أو خطأ فسارع بالنظر فيها وتم الإفراج عنه، والمرة الثانية التي زرته فيها في مكتبه في (جدة) كانت من أجل الحصول على إذن لوالدتي وعمتي يرحمهما الله وأخي الذين حجوا ذلك العام للسماح لهم بزيارتنا في (الرياض) وكان وقتها يرحمه الله وكيلاً لوزارة الداخلية.....

***

جاء الشيخ (إبراهيم العنقري) إلى وزارة الإعلام، وكنت وقتها (مشرفاً عاماً على البرامج) بإذاعة الرياض، وكان الوضع عندنا عجيباً في إذاعة (الرياض)، فقد كان فيها عدد من الإدارات يشغل العاملون فيها عدداً من المكاتب والغرف في مبنيين متجاورين في شارع (الفرزدق) إلا أن هذه الإدارات رغم أنها تعمل لخدمة هدف واحد هو إذاعة (الرياض) إلا أنها تتبع مراجع مختلفة، وهذه المراجع المختلفة تباشر عملها في مكان أو أمكنة أخرى.

ولبيان ذلك فقد كانت الأقسام التي ترجع إليّ (كمشرف عام على البرامج) هي المذيعون والأحاديث والثقافة العامة، والإخراج، والمنّوعات، والأركان والبرامج الخاصة، والبرامج الشعبية، والتنسيق، ومكتبة التسجيلات....

أما إدارة (التشغيل والاستوديوهات) وإدارة (الصيانة) فتتبعان (الإدارة العامة للشؤون الهندسية).....

وأما البرنامج الأوروبي (بقسميه الإنجليزي والفرنسي)، وإدارة الأخبار، وإدارة الترجمة والوكالات وإدارة الاستماع فتتبع (الإدارة العامة للإذاعة)....

وأما قسم المكافآت فيتبع (الإدارة العامة للشؤون الإدارية والمالية).....

وكلما كانت تحدث مشكلة طرفاها الرئيسيان مذيع ومهندس صوت على سبيل المثال، وكثيراً ما تحدث مثل هذه المشكلة فلا يمكن حلها أو النظر فيها إلاّ بالرجوع إلى مرجعين مختلفين، قد يصلان إلى (وكيل الوزارة للشؤون الإدارية والمالية) و(وكيل الوزارة للشؤون الإعلامية) وللقارئ العزيز أن يتصور مدى الجهد الضائع والوقت المهدور في سبيل حل هذه المشكلة!

توضحت عبقرية الشيخ (إبراهيم العنقري) عليه رحمة الله بربط كل هذه الإدارات والأقسام التي ذكرتها بمرجعية واحدة تباشر عملها في مبنى إذاعة (الرياض)، وقد شرّفني الله سبحانه وتعالى أن أكون تلك المرجعية، وعُدّل مسمى عملي من (مشرف عام على البرامج) إلى (مشرف على إذاعة الرياض) وانتهى الأمر ورحلت تلك المعضلة المعقدة..

***

جاء الشيخ (إبراهيم العنقري) رحمه الله من وزارة الداخلية إلى وزارة الإعلام ومعه عدد من الأشخاص الذين كانوا يعملون معه هناك من أبرزهم شخصان مميّزان هما، الأستاذ (ياسين المكتبي) والأستاذ (عبدالرحمن أمين كاتب)...

الأستاذ (ياسين المكتبي) عليه رحمة الله وهو شخصية سورية الأصل، أبوه الشيخ (يحيى الزميتا المكتبي) أحد أبرز تلامذة الشيخ (بدر الدين الحسني) محدث الشام الأكبر وعالمها الفذ في حينه، وأحد ملازميه ومحبيه. وقد درس الأستاذ (ياسين) عليه رحمة الله القانون وعمل في الوظائف الحكومية، وشغل مناصب رفيعة فيها، منها وظيفة (قائ مقام القنيطرة) حينما كانت قضاء من أقضية مدينة (دمشق) وقبل أن تصبح محافظة مستقلة بذاتها هي محافظة (الجولان) وكذلك وظيفة (المديرية العامة للحج) بوزارة الداخلية، هاجرنا معاً من (سورية) عام ألف وثلاثمائة وأربعة وثمانين للهجرة، وعمل (مستشاراً قانونياً) في وزارة الداخلية إلى أن انتقل منها مع الشيخ (إبراهيم) عليهما رحمات الله إلى وزارة الإعلام، واستمر في عمله (مستشاراً قانونياً) ثم (مديراً عاماً للشؤون القانونية) في الوزارة وقد استمر في عمله إلى أن مات رحمه الله قبل عدة سنوات....

لقد كان للأستاذ (ياسين) عليه رحمة الله دوره المهم في تنظيم أمور الوزارة وتجنيبها كثيراً من المخالفات الإدارية والقانونية، وكانت له بصمته في تدريب عدد من القانونيين الذين التحقوا بوزارة الإعلام وإتاحة الفرصة لهم في اكتساب الخبرة بالممارسة العملية والأستاذ (ياسين المكتبي) عليه رحمة الله هو (عديل) صاحب السمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن عليه رحمة الله وزير المالية الأسبق أي أنهما متزوجان من أختين شقيقتين من أسرة دمشقية عريقة هي آل الخطيب، وأكبر أولاد الأستاذ (ياسين) عليه رحمة الله، وعنده ابن واحد وعدد من البنات هو الدكتور (أيمن) وهو طبيب من أطباء الأسنان المرموقين في مدينة (الرياض).....

أما الشخصية المميزة الثانية التي جاءتنا مع الشيخ (إبراهيم) عليه رحمة الله من وزارة الداخلية فهي الأستاذ (عبدالرحمن أمين كاتب) متعه الله بالصحة والعافية ووهبه العمر المديد، فشغل منصب مدير عام الإدارة أو المدير العام للشؤون الإدارية والمالية، وأشهد أنني صادفت في حياتي أو جمعتني الأقدار بكثير من الناس الذين يعملون في الشؤون المالية والإدارية أو يكونون مسؤولين عنها، لكنني لم ألتق بمثله أو في مستواه في استيعاب العمل الإداري والمالي وتسهيله على الذين يتعاملون فيه، ومرونته وجرأته في حل أكثر القضايا تعقيداً، وبسرعة متناهية، دون أن يخالف النظام أو يخترق القوانين.....

أذكر أنه بعد استلامه لمهام عمله قام بزيارة (إذاعة الرياض) زيارة ميدانية ليطلع بنفسه على الأحوال، ويتعرف على الاحتياجات والمتطلبات، وكنت في استقباله بطبيعة الحال، وكنت معه في جولته على كل الإدارات والأقسام، وما أن انتهت تلك الجولة الميدانية حتى وجه المسؤول عن المستودع في وزارة الإعلام الأستاذ (عبدالعزيز زارع) متعه الله بالصحة والعافية إلى صرف كل ما أطلبه منه للإذاعة، والتأمين الفوري لكل ما لا يوجد في مستودع الوزارة.

وفي اليوم التالي لتلك الجولة الميدانية أو الذي بعده وصل إلى إذاعة الرياض العديد من الأجهزة والأدوات ومستلزمات الأثاث التي كنا نحتاجها كآلات التسجيل وأجهزة الاستماع إلى الأسطوانات، وأجهزة التلفون، والمكيفات، والآلات الكاتبة، وآلات النسخ والتصوير، وبرادات الماء، والموكيت والستائر، والمكاتب وغيرها، الأمر الذي أحدث ضجة في الإذاعة، ودوياً إيجابياً إن صح هذا التعبير ونقلة هائلة، ظهرت آثارها الفورية على نفسيات العاملين في الإذاعة، وعلى إنتاجهم وعطائهم...

لقد كنّا نتعب كثيراً، ونكتب كثيراً، ونتابع كثيراً حينما نطلب آلة تسجيل واحدة، أو آلة كاتبة واحدة، أو غيرها لتلبية حاجة إحدى الإدارات إلى تلك الآلة، فإذا بنا تفتح أمامنا أبواب كل شيء، وتتحقق آمالنا فتلبى كل طلباتنا، وتأتينا كل احتياجاتنا دفعة واحدة، ولقد عشنا في تلك الأيام حلماً أو أحلاماً حقيقية سعيدة دائمة، حققها لنا وجعلنا نعيش فيها، الرجل الإداري الصالح الموهوب (عبدالرحمن أمين كاتب) أكثر الله من أمثاله، ووفقه في دنياه وآخرته.

***

أنجز الشيخ (إبراهيم العنقري) عليه رحمة الله في السنوات الخمس التي تقلد فيها وزارة الإعلام عدداً من المنجزات المهمة ومنها: قيام (وكالة الأنباء السعودية) وقد كلف بالإشراف عليها في أول الأمر الأستاذ (خالد حمزة غوث) متعه الله بالصحة والسعادة إلى جانب عمله الأصلي (مديراً عاماً للإذاعة)، وبهذا الإنجاز فقد توصل الإعلام السعودي إلى أن يكون للخبر الرسمي جهة واحدة أساسية يصدر عنها يصاغ بالأسلوب المقبول الذي يمثل وجهة النظر الرسمية، وتستفيد من الخبر الرسمي هذا كل وسائل الإعلام المحلية مقروءة أو مسموعة أو مرئية، ثم عين الأستاذ (عبدالله هليل فالح الحربي) مديراً عاماً أصيلاً لهذه الوكالة...

***

ومنها، قيام (إذاعة القرآن الكريم) في كل من (الرياض) و(جدة) وبث برنامج يومي لعدة ساعات يتضمن تلاوات قرآنية مختلفة مرتلة ومجودة لكبار القراء في المملكة والعالم العربي، وعدداً من الأحاديث التي تعنى بالقرآن الكريم وأسباب نزوله، وتفسيراته، وموضوعاته وأحكامه...

وقد قمت بافتتاح هذه الإذاعة وهي تبث برامجها لأول مرة من الاستوديو رقم (2) بمبنى الإذاعة القديم في شارع الفرزدق، تحت رعاية وزير الإعلام الشيخ (إبراهيم العنقري) عليه رحمة الله وحضور الأستاذ (خالد حمزة غوث) مدير عام الإذاعة في ذلك الوقت والزميل الدكتور (بدر كريم) القائم بأعمال مدير مكتب الوزير آنذاك، وقد عين فيما بعد الزميل الدكتور (علي عبدالعزيز الخضيري) متعه الله بالصحة والسعادة مديراً لإذاعة القرآن الكريم، وقد بدأت تلك الإذاعة بثها أول الأمر محمولاً على مرسلات إذاعية محدودة المدى ثم استبدلت تلك المرسلات بمرسلات متوسطة ومرسلات أخرى قصيرة أبعد مدى وأقوى إرسالاً...

***

وذات يوم من أيام عام ألف وثلاثمائة وثلاثة وتسعين للهجرة كنت في مكتب الشيخ (إبراهيم) عليه رحمة الله، فوجه إليّ كلامه قائلاً: يا أخ زهير منذ متى أنت تشرف على إذاعة (الرياض) وتحمل مسؤولية ذلك؟

قلت: منذ حوالي خمس سنوات.

قال: لماذا لم تطلب الجنسية؟

قلت: بصراحة يا طويل العمر، لقد رأيت أكثر من يطلب الجنسية يطلبها لأسباب اقتصادية، تجارية أو صناعية أو يريد أن يمتلك عقارات أو غير ذلك...

قال: دع عنك هذا وأجبني هل تريد أن تحصل على الجنسية، ولا سيما وأنك تدير مرفقاً إعلامياً حساساً منذ عدة سنوات!

قلت: بكل سرور.

قال: أكتب لي الخطاب اللازم لذلك ودع الباقي وكتبت الخطاب المطلوب ووضعته بين يدي معاليه يرحمه الله، فأشفعه بخطاب من عنده أعتز بعباراته كثيراً واحتفظ بها في جوانحي ما حييت، وما أظن أنه لو احتاج ابنه (مازن) سلمه الله إلى كتاب في مثل موقفي أن يكتب أحسن منه، ورفعهما، رفع الخطابين إلى صاحب السمو الملكي الأمير (فهد بن عبدالعزيز) وزير الداخلية في ذلك الحين طيب الله ثراه، فأيد سموه ما جاء في الخطابين، ورفع ذلك إلى جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز عليه رضوان الله....

وبعد حوالي أسبوع من تقديم خطابي إلى الشيخ (إبراهيم) عليه رحمة الله كنت في جدة وكان معاليه هناك فهاتفني وقال لي: أريد أن أراك، فأسرعت بالذهاب إليه، ولما فرغت من السلام عليه، قال لي: مبروك.

فلم أدرك لأول وهلة أسباب هذه التهنئة وقلت: مبروك على ماذا يا معالي الوزير؟

قال عليه رحمة الله: على حصولك على الجنسية!

قلت: الحمد لله والشكر لله ثم الشكر لجلالة المليك المفدى، والشكر لسمو الأمير فهد ولمعاليكم.

قال: إن الأمر السامي الموقع من الملك فيصل -عليه رحمة الله- كما ترى يتضمن منحكم وزوجتكم وجميع أولادكم الرعوية العربية السعودية.

قلت: هذه مسؤولية أعتز وأفتخر بها وأسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون أهلاً لها وأسأله كذلك أن يعينني على الإخلاص لله في القول والعمل ثم الإخلاص في خدمة وطننا الغالي ومليكنا العظيم...

***

من المشكلات بل المعضلات الكبرى التي وجّه بحلها الشيخ (إبراهيم العنقري) رحمه الله، مشكلة مكافآت برامج (الإذاعة والتلفزيون) وهي مشكلة إدارية مالية....

لقد كان المتعاون مع الإذاعة والتلفزيون كمحدث أو كاتب أو ممثل أو غيره ينتظر أشهراً عديدة قد تبلغ سنة أو أكثر بعد أدائه لدوره أو للشيء المطلوب منه، لتصرف له المكافأة على ذلك الحديث الذي قدمه أو الدور الذي أداه، وقد تضيع المكافأة المقررة على ذلك في بعض الأحيان، وقد كتب لي الشيخ (علي الطنطاوي) يرحمه الله في يوم من الأيام خطاباً يشكو فيه عدم صرف المكافأة المقررة على حديثه اليومي العظيم (مسائل ومشكلات) وقال في ثنايا ذلك الخطاب: (إذا كانت إذاعتكم مؤسسة خيرية فلا داعي للمكافآت على الأحاديث فيها، ولكنني أعلم أنها ليست مؤسسة خيرية!)...

وكانت النتيجة نتيجة توجيه معاليه أن حلت هذه المشكلة المعقدة بتكليف موظفين أو ثلاثة من الإدارة العامة التي يقودها الأستاذ (عبدالرحمن أمين كاتب) بالالتحاق بإذاعة الرياض ومباشرة العمل فيها، ومثل ذلك في إذاعة جدة وتكليفهم بإنجاز ما يتعلق بمكافأة الإذاعة، وتزويد هذا القسم المستحدث بإذاعة (الرياض) والذي ارتبط بمدير هذه الإذاعة، بإشعارات ورقية جديدة، يحتوي الواحد منها على اسم المحدث أو الممثل أو غيره (المتعاون مع الإذاعة) والذي بإمكانه بعد أدائه للمادة أو العمل المطلوب منه أن يوقعه من المخرج أو مهندس التسجيل، ثم يوقعه من مدير إذاعة الرياض (أو إذاعة جدة) ويذهب إلى قسم (المكافآت) الموجود في الإذاعة كما ذكرنا فيستلم مكافأته على الفور، وبعبارة أخرى يستطيع المتعاون مع الإذاعة أن يحصل على مستحقاته المالية على عمله الذي قدمه، بعد ذلك بحوالي ربع ساعة، بعدما كان عليه أن ينتظر شهوراً عديدة، قد تصل إلى سنة، وقد تضيع خلال ذلك أو تختفي، وقد يتركها صاحبها خجلاً أو مللاً أو يأساً أو إحباطاً أو غير ذلك...

لقد نسيت أن أذكر لقارئي العزيز أنه بعد منحي الرعوية السعودية الكريمة، تم تثبيتي على وظيفة (مدير إذاعة الرياض) وكنت بذلك أول من تشرف بإدارة هذا المرفق الحساس من مرافق الدولة، وأسأل الله سبحانه أن أكون قد أخلصت لله العمل خلال سنوات إدارتي لهذا المرفق العظيم...

***

مشكلة أخرى كتب الله للشيخ (إبراهيم العنقري) يرحمه الله أن تحل على يديه، وهي قضية مكافأة العاملين في وزارة الإعلام على البرامج التي يقومون بها زيادة على الأعمال الأساسية المطلوبة منهم، لقد كان جميع المتعاونين مع وزارة الإعلام وخصوصاً في مجال برامج الإذاعة والتلفزيون، كمحدثين وكتاب وممثلين وخطاطين ومطربين وغيرهم، العاملين أساساً خارج وزارة الإعلام يتقاضون مكافآت لقاء أعمالهم التي يعملونها في الإذاعة والتلفزيون..

أما العاملون أساساٍ في الإذاعة والتلفزيون أو في كافة أقسام وزارة الإعلام الأخرى، فلا يحق لهم أن يتقاضوا أية مكافآت غير رواتبهم الأساسية مهما قدموا من برامج!

كان هذا الأمر مجحفا ظالما وربما كنا نضطر في بعض الأحيان الحرجة أن نكافئ بعض العاملين في الإذاعة المجتهدين المميزين على بعض عطائهم البرامجي المتميز شيئا من تلك المكافآت التي يستحقوها على أن تصرف بأسماء يختارونها غير أسمائهم!

وقد بينت للشيخ (إبراهيم) رحمه الله هذا الأمر، فقال وقد اقتنع بأحقية العاملين المجدين بالمكافأة: الأوفق أن نخاطب وزارة المالية بهذه القضية العادلة، وقد كتب بذلك للمالية، وتشكلت على إثر هذه المخاطبة لجنة من المالية والإعلام، من الأستاذ حسين عبداللطيف الذي صار فيما بعد مديرا عاما لمصلحة الزكاة والدخل، والأستاذ غازي توفيق وكلاهما من وزارة المالية، ومن الأستاذ خالد حمزة غوث مدير عام الإذاعة والدكتور عبدالرحمن الشبيلي مدير عام التلفزيون، ومن الأستاذ عبدالرحمن أمين كاتب مدير عام الإدارة ومن الأستاذ ياسين المكتبي المستشار القانوني بمكتب الوزير ومني مدير إذاعة الرياض وكل هؤلاء من وزارة الإعلام.

اجتمعت هذه اللجنة عدة اجتماعات تمهيدية وتفاهمنا على الخطوط الرئيسة للعمل، وقد اتفقنا على إيجاد تعرفة جديدة لبرامج الإذاعة والتلفزيون، وأن طلبنا بمكافأة العاملين في وزارة الإعلام وخاصة العاملين في الإذاعة والتلفزيون على البرامج التي يقدمونها زيادة على ما هو مطلوب منهم أساسا، هذا الطلب يعتبر طلبا عادلا..

وانبثقت عن هذه اللجنة لجنة عملية تنفيذية، مثلت فيها الإذاعة، ومثل فيها الأستاذ (يوسف الدمنهوري) التلفزيون، ومثل فيها الأستاذ (محمد الأمين الصغير) رحمه الله, والذي صار فيما بعد وكيلا لوزارة الإعلام، مثل فيها الإدارة، بالإضافة إلى الأستاذ (ياسين المكتبي) المستشار القانوني بمكتب الوزير..

اجتمعنا بعد ذلك عددا كبيرا من الاجتماعات في مكتبي بإذاعة الرياض أو في منزل الأستاذ (يوسف الدمنهوري) أو في مكتب الأستاذ (ياسين) في الوزارة، وأنجزنا (تعرفة برامج الإذاعة والتلفزيون)، وكانت تعرفة شاملة متوازنة أنصفت كثيرا من النشاطات التي كانت تعامل معاملة غير صحيحة أو غير عادلة، وخاصة القراءات القرآنية، والبرامج الدينية والسياسية والإعلامية، وقد رفعها الشيخ (إبراهيم) رحمه الله إلى مجلس الوزراء وأقرها، وعلى الرغم من أن تلك التعرفة لم تلبِ طموحات العاملين في الوزارة, وخاصة العاملين منهم في الإذاعة والتلفزيون لكنها حققت الكثير من تلك الطموحات.

وفي فترة تولي الشيخ (إبراهيم العنقري) رحمه الله لوزارة الإعلام كلفت بالسفر وعلى سنتين متواليتين إلى كل من (الأردن) و(سوريا) و(لبنان) و(مصر) على رأس لجنة للتعاقد لشغل عدد من وظائف المذيعين والمخرجين والباحثين والمترجمين والمحررين والموسيقيين والإداريين وغيرهم...

وقد فزنا بعدد طيب من النوعيات المميزة أذكر منهم على سبيل المثال، المذيع الكبير الأستاذ (إبراهيم الذهبي) رحمه الله، والمذيعين الأساتذة (جودت مرقة) و(سلامة محاسنة) و(علي الغرايبة) والمخرج الأستاذ (مهدي يانس) ومذيع اللغة الإنجليزية الأستاذ (عبدالإله الحجاوي) والأستاذ الباحث (أحمد قاسم الردايدة) وكل هؤلاء من (الأردن) الشقيق..

والأستاذ الباحث (محمد عصمت شيخو) والأستاذ الباحث (عدنان الدبسي) والمذيع الأستاذ (ميسر سهيل) والمذيع الأستاذ (كمال البني) ومدير الفرقة الموسيقية الأستاذ (سعيد قتلان)، وكل هؤلاء من (سوريا) الشقيقة...

والشيخ (محمد صلاح الدين كبارة) شيخ القراء في لبنان، تم التعاقد معه كمراقب للقراءات القرآنية، والخطاط الأستاذ (عبدالمجيد الذهب) وهو من لبنان الشقيق أيضا...

كذلك تم التعاقد مع المذيع الكبير الأستاذ (صالح مهران) والمذيع الأستاذ (مصطفى النحاس الزيادي) والمحرر الأستاذ (أنيس الجوهري) ومذيع اللغة الفرنسية الأستاذ (عبدالله عمران)، والمخرج الكبير الأستاذ (زكريا شمس الدين) ومذيع اللغة الإنجليزية الأستاذ (ماهر الرفاعي)، وعدد من الموسيقيين العازفين انضموا إلى الفرقة الموسيقية، وكل هؤلاء من جمهورية مصر العربية الشقيقة...

وقد قامت في عهد الشيخ (إبراهيم العنقري) رحمه الله مؤسستان مهمتان، المؤسسة الأولى كانت (وكالة الأنباء الإسلامية) التي لا أعرف عنها الشيء الكثير وقد كلف بإدارتها في أول الأمر الأستاذ (عبدالوهاب كاشف)، والمؤسسة الثانية هي (منظمة إذاعات الدول الإسلامية) والتي حملت شعارا جميلا اختاره لها مولي الشيخ (حسن بن عبدالله آل الشيخ) وزير المعارف الأسبق رحمه الله وهو قول الله تبارك وتعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيد}...

لقد عشت قيام هذه المنظمة العتيدة والذي وافق السنة الأخيرة من تولي الشيخ (إبراهيم العنقري) وزارة الإعلام وقد كان لجهود الأستاذ (خالد حمزة غوث) مدير عام الإذاعة في ذلك الوقت نتائج لا تنسى في هذا الصدد وكذلك في قيام (إذاعة القرآن الكريم)...

لقد وافق الاجتماع الأول لقيام هذه المنظمة تاريخ مولد سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله عليه صلوات الله وسلامه عليه وهو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام ألف وثلاث مائة وخمسة وتسعين، وقد عقد هذا الاجتماع الذي افتتحه معالي وزير الإعلام الشيخ (إبراهيم العنقري) في قاعة الاجتماعات الكبرى بمبنى (وزارة البترول والثروة المعدنية)...

وفي اليوم الثاني أي في الثالث عشر من شهر ربيع الأول بدأ الاجتماع الثاني في نفس المكان لممثلي إذاعات الدول الإسلامية برئاسة الأستاذ (خالد حمزة غوث) مدير عام الإذاعة، وجلست أنا في المكان المخصص للوفد السعودي على رأس الوفد، ومرت الجلسة بهدوء حوالي ساعة وبعض الساعة، وقبل الساعة الحادية عشرة صباحا بقليل، جاءني أحد منظمي ذلك الاجتماع وأخبرني أن الأستاذ (علي الخضيري) يطلبني على الهاتف من إذاعة (الرياض) لأمر مهم جدا، فتركت مكاني للأخ (حسن محمد علي خزندار) مدير إذاعة (جدة) في ذلك الوقت وتوجهت لأرد على الهاتف وإذا بالأخ (علي) يخبرني بالنبأ الصاعقة في أن (الملك فيصل) طيب الله ثراه، قد أطلق عليه النار وقد نقل قبل دقائق إلى المستشفى، وأن هذا الخبر سيذاع في موجز أنباء الساعة الحادية عشرة صباحا أي بعد قليل، ثم بادرت بإخبار الأستاذ (خالد حمزة غوث) رئيس الاجتماع بما حدث، الأمر الذي دعاه إلى رفع الجلسة وتعليقها لحصول حدث مهم...

لقد كان غياب الملك (فيصل بن عبدالعزيز) عن الساحة العربية والإسلامية والدولية خسارة كبيرة، لا ينساها كل مخلص في هذه البلاد وفي خارجها...

لقد أصيبت الحكمة البالغة، والنظرة السديدة، ومنطق الصبر والمصابرة، والصمود القوي، والثوابت القومية والدينية، وأسلوب التسامح والصدر الوسيع والإنسانية الرحيمة بصدمة قوية، وضربة كادت أن تكون قاضية لولا أن الله سبحانه وتعالى قيض لهذا الوطن الغالي، وهذه الأمة العربية المنكوبة، من يأخذ الراية من يد (فيصل) رحمه الله قبل أن تقع على الأرض، ويواصل العمل من بعده، وعلى نهجه وسيرته عطاء مثمرا، وبناء متواصلا، وتحديا لكل الصعوبات والعقبات، وجسارة في مواجهة كل مشكلات الوطن السعودي العزيز، وقضايا الأمة العربية الماجدة بإذن الله...

لقد حمل الراية من بعد فيصل أخوه الملك (خالد بن عبدالعزيز) رحمه الله فكان نعم الأب الباني، والشهم الغيور، والعربي الأصيل، والمسلم الصادق، ثم حملها من بعده أخوه الملك (فهد بن عبدالعزيز) رحمه الله رجل العلم والبناء والتقدم والعمران، الرجل الذي أعطى لوطنه وأمته الشيء الكثير، وها هو الآن خادم الحرمين الشريفين الملك (عبدالله بن عبدالعزيز) أمد الله في عمره، وأيده بالمزيد من النصر والتوفيق يحمل الآن، ومعه ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير (سلطان بن عبدالعزيز)، هذه الراية لتبقى عالية خفاقة، تتقدم بخطى حثيثة إلى مراقي الفلاح ومواطن النجاح علما ومعرفة ورحمة وإنسانية وبناء وعطاء منطلقا من إيمان بالله كبير، وتمسك قوي بالإسلام، واعتزازاً بأمجاد هذه الأمة، ورقيها وتقدمها، وأنها الأمة التي حررت الإنسان، ودلته إلى طريق الخير، وهدته إلى سبيل النجاح والفلاح والفوز في الدنيا والآخرة...

في عهد الشيخ (إبراهيم العنقري) رحمه الله، انتقلت (إذاعة الرياض) من مبانيها المستأجرة في شارع (الفرزدق) إلى مبانيها الجديدة الكبيرة الفخمة التي بنيت في الأساس لتكون لها.. انتقلت في وقت قياسي، وقد اشترك في نقل الأثاث والأدوات ومستلزمات العمل الأساسية جميع العاملين في الإذاعة بما في ذلك مديرها، وقد ختم البث الإذاعي في يوم الانتقال في الساعة الثانية بعد منتصف الليل من المباني القديمة وبدأ البث في الساعة السادسة صباحا من اليوم التالي من المباني الجديدة، وقد جمعة هذه المباني الجديدة فيما جمعت مكتب معالي الوزير، ومكتب مدير عام الإذاعة، ومكتب مدير إذاعة الرياض...

وشاء الله سبحانه وتعالى أن يكون لقائي الأخير بالشيخ (إبراهيم العنقري) قبل عدة أشهر حينما زرته في بيته في الرياض برفقة أخي وزميلي الدكتور (بدر كريم) وبرفقته ابني الدكتور (أحمد المجد). وكانت مناسبة طيبة لنجدد العهد معه، ولأشكره وابني على موقفه الطيب العادل من قضية ابني التي تنظر فيها دائرة من أهم دوائر الدولة، وكان له دوره الذي لا ينسى بعدما أخرجها من طي النسيان وجعلها تعود ثانية إلى حيز التذكر والاهتمام...

لا أنسى تلك الجلسة مع الشيخ (إبراهيم) رحمه الله والأمور التي تطرقنا إليها...

تذاكرنا في بعض أسماء الأشخاص الذين عملوا في عهده بوزارة الإعلام، ومنهم الأستاذ (عبدالرحمن كاتب) متعه الله بالصحة والعافية، تذكرنا عمله الدؤوب، وجديته في العمل، وحرصه على سرعة إنجازه مع الإتقان، كما ذكر الشيخ (إبراهيم) رحمه الله أن الأستاذ (عبدالرحمن) يمضي هذه الأوقات سحابة يومه في الحرم المكي الشريف بين مصل وطائف، وقارئ للقرآن، وذاكر لله، وأنه يغبطه على هذا العمل العظيم...

وتذاكرنا كذلك في الأستاذ (ياسين المكتبي) رحمه الله، وأنه كان موظفا قديرا، وقانونيا خبيرا، وأنه كان يتقن عمله...

وذكرنا أيضا الأخ الشاعر الدكتور (عدنان النحوي) شفاه الله وعافاه بالذكر الحسن، وذكرنا كذلك الأخ الأستاذ الشاعر (راضي صدوق) بما يستحق من الثناء والمديح.

تذاكرنا كذلك في اللقاء الذي أجرته قناة (الجزيرة) التلفزيونية بين العلامة الشيخ الدكتور (يوسف القرضاوي) وبين السيد (هاشمي رفسنجاني)، وقام بإدارة الحوار بينهما السيد (أحمد الشيخ) من منسوبي قناة (الجزيرة)، وكان تعليقنا على هذا اللقاء، بأنه لقاء طيب ومطلوب تكراره بين أقطاب علماء السنة وعلماء الشيعة في العالم الإسلامي، لأن الحوار هو السبيل الأوحد للتفاهم بين العلماء من الطرفين، وأنه الطريق الأمثل لمزيد من التعاون والاتفاق، وأن ملاحظاتنا العامة على ذلك اللقاء تتركز في ثلاث نقاط:

النقطة الأولى أن الشيخ (رفسنجاني) حفظه الله كان يتهرب من بعض الأسئلة ولا يجيب عليها الجواب المباشر..

والنقطة الثانية أن الشيخ (القرضاوي) حفظه الله، كان متوترا في بعض إجاباته، وأن الهدوء والروية أجدى في مثل هذه الحوارات.

والنقطة الثالثة، أن مدير اللقاء السيد (أحمد الشيخ) كان ضعيفا، وسبب ضعفه هو عدم تخصصه في مثل هذه اللقاءات.

تطرقنا كذلك إلى قصائد بعض الشعراء، وكان من بينها قصيدة الأستاذ (عمر أبو ريشة) رحمه الله والتي يقول مطلعها:

أمتي هل لك بين الأمم

منبر للسيف أو للقلم

وإذ بالشيخ (إبراهيم) رحمه الله يحفظها كلها، وقد تبارينا تقريبا في سرد ورواية أبياتها إلى أن وصلنا إلى الأبيات الأخيرة التي تقول:

أيها الجندي يا كبش الفدا

يا شعاع الأمل المبتسم

ما عرفت البخل بالروح إذا

طلبتها غصة المجد الظمي

بورك الجرح الذي تحمله

شرفا تحت ظلال العلم

دون أن ننسى البيت الذي ضمنه (أبو ريشة) رحمه الله هذه القصيدة وهجا فيه السيد (جميل مردم بك) رحمه الله رئيس وزراء سورية في ذلك العهد الذي قيلت فيه هذه القصيدة..

وانتهت تلك الجلسة في منزل الشيخ (إبراهيم) رحمه الله، وقمنا لتوديعه، فاستبقى الدكتور (بدر) لدقائق، وقد فهمنا أنه قد سلمه ظرفا يحتوي على مبلغ مالي أوصاه أن يسلمه لشخص يعرفه اعتاد أن يرسل له مثل هذا المبلغ بين الفينة والأخرى، وقد أخبرني ذلك الشخص بعد ذلك باستلامه لهذا المبلغ.

وبعد، فقد بقيت عندي كلمتان؛ الكلمة الأولى أوجهها إلى (ثرمدا) البلدة الكريمة التي ولد فيها (إبراهيم العنقري) فأقول: بوركت من أرض مباركة تنبت الأفذاذ من الرجال، وتنتج الأبطال الذين ذرعوا الوطن حبا وإخلاصا وعملا صادقا لا ينسى مع الأيام.

والكلمة الثانية، ل(مازن) ابن الفقيد العزيز ول(عبير) ابنته الكريمة، ول(أم مازن) زوجته الفاضلة، فأقول لهم:

إن من حقكم أن تفخروا ب(إبراهيم العنقري)، أن تفخروا به وتعتزوا فقد كان إنسانا عظيما، ومواطنا كريما، وكان عربيا مسلما رحيما، يذكرني رحمه الله (بأبي عبيدة بن الجراح) رضي الله عنه الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمين هذه الأمة، وما أحسب الشيخ (إبراهيم العنقري) رحمه الله إلا أمين هذا الوطن الغالي العزيز...

لقد كان أمينا في الوزارات التي تسنم قيادتها، في الإعلام، والعمل والشؤون الاجتماعية، والشؤون البلدية والقروية..

لقد كان أمينا حينما كان عضوا في وفد المملكة في هيئة الأمم المتحدة.. وقد كان أمينا حينما كان في وزارة المعارف مديرا عاما لمكتب سمو الوزير، الذي صار فيما بعد خادما للحرمين الشريفين الملك فهد عليه رحمات الله.

وقد كان أمينا حينما عمل في وزارة الداخلية ورأس لجانها المهمة ومنها اللجنة التي ترشح المؤهلين لاكتساب الجنسية السعودية..

وكان أمينا حق أمين حينما كان مستشارا خاصا لخادم الحرمين الشريفين فكان صادقا في قوله، ناصحا في عمله مخلصا في كل تصرفاته..

يا (مازن) أيها الأخ الحبيب...

ويا (عبير) أيتها الأخت الكريمة...

ويا (أم مازن) أيتها الفاضلة العظيمة...

إن من حقكم أن تفخروا بأن فقيدكم الغالي الذي هو فقيد الوطن كله (إبراهيم العنقري) قد عاش حياته كلها، عف اللسان، نظيف اليد، طاهر الذيل، نقي العمل، وإذا كان لكل واحد منا نصيب من اسمه فإني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون له من اسم نبي الله (إبراهيم) عليه الصلاة والسلام نصيب وقد قال الله تعالى عنه: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}.

للتواصل وإبداء الرأي:

Z_ALAYOUBI@Hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد