لا أدري ما الذي أغضب البعض من المباراة النسائية في كرة القدم التي جرت بين طالبات جامعة الأمير محمد بن فهد بالشرقية وطالبات كلية اليمامة بالرياض، حسب ما نشرته بعض الصحف مؤخراً؟ فالوسط الذي جرت فيه المباراة كان وسطاً (نسائياً) محضاً؛ إذ لم يكن فيه - حسب الخبر - رجل واحد، وغني عن القول أن الرياضة بالنسبة للمرأة لا تحرمها شريعتنا الغراء، بل لو أدرك المتشددون أهمية الرياضة بالنسبة للمرأة لكانوا أول من يطالب بها؛ لأن إشغال المرأة في الرياضة، وتدريب الفتيات عليها، وتشجيع التنافس فيها، سيزيد من تحصين الفتاة من الانحراف، من خلال إشغال وقتها بممارسات نافعة تنعكس عليها وعلى صحتها البدنية والنفسية بالبناء السليم. ولا أعتقد أن فقيها سيقول بحرمة إجراء مثل هذه المنافسات البريئة. لكن مشكلتنا هنا في المملكة تكمن في انصياع بعض فقهائنا لضغوطات مَن حولهم من الشباب (المندفع)، والرضوخ لمطالباتهم، ومسايرتهم فيما يذهبون إليه من تشدد دون دليل، اللهم إلا قاعدة (سد الذرائع) التي أساؤوا إليها بكثرة الاستعمال (كمبرر) حتى أصبحت مثل (المطب الصناعي) تتجاوزه ولا تهتم به.
والذي يجب أن يدركه هؤلاء أن الرياضة في ظل الظروف التي نعايشها، والتي تختلف اختلافاً جذرياً عن ظروف الآباء والأجداد، أصبحت عنصراً أساسياً من عناصر البناء الصحي والنفسي والعقلي السليم بالنسبة إلى الإنسان المعاصر، ليصبح تشجيعها، وتحفيز ممارستها، وإتاحة الفرصة للمسابقات التي تكرسها، وتسعى إلى نشرها كهواية، ممارسة تتواكب مع أهمية الرياضة في بناء الأجسام وصحتها.
فالرياضة بالنسبة للمرأة تعني حياة صحية أفضل، وترفع من مستوى اللياقة، وتعطيها قواماً جميلاً من خلال التحكم بالوزن والابتعاد عن السمنة والترهل، وتغرس في تركيبة الفتاة النفسية احترام ذاتها والعناية بمظهرها، وترفع من مستوى الشعور بالنشاط والحيوية لديها، وتكاد تقضي على الشد النفسي لتكون أكثر قدرة على مواجهة الظروف والتعامل مع المتغيرات الحياتية بثقة ورباطة جأش.. وعندما تغيب ممارسة الرياضة فإن الخمول والكسل والضعف البدني والنفسي يغلف شخصية الإنسان وينفذ إلى أعماقه، فيبدو متكلاً على الآخرين، منهكاً، يتعبه أي جهد، قليل الصبر، ضعيف التحمل، وعادة ما ترتبط عادة التدخين وتعاطي الخمور وربما المخدرات بالشخص الذي لا يحفل بالرياضة ولا يهتم بها. كما أن أهم أسباب ظهور أمراض الرفاهية في سن مبكرة مثل السكري وارتفاع الضغط وأمراض الركب والمفاصل، تعود بشكل رئيس إلى غياب الرياضة عن حياة الإنسان.
أعرف أن هذا المنطق - رغم وجاهته - لن يعيره المتشددون أي اهتمام؛ لأن قضايا المرأة، وحقوقها، وكل ما يتعلق بمطالباتها بتحسين أوضاعها الحياتية والحقوقية، يتعامل معها (تيار التشدد) على أساس أنها مطالبات تسعى إلى إضعافهم وتشجيع التمرد على وصايتهم؛ لذلك فهم عندما يقفون بقوة ضد هذه القضايا لا يهمهم وجاهة موقفهم من عدمه، قدر ما يبذلون قصارى جهدهم لإعاقة (تيار التسامح) بأي وسيلة، حتى وإن كانت هذه الوسيلة مصادرة حقوق المرأة، والتضييق عليها، لتصبح في نهاية المطاف (ضحية) بين تيارين يتصارعان، ولا علاقة لها بما يتصارعان عليه، وهنا لب القضية.