من الصعوبة أن تختزل التجربة النسوية في بلادنا في تجربة واحدة، ونخالف الواقع حين نهمل تجارب مرت بها المرأة أو مارستها أيا كانت نسبة هذه التجارب من الطموح أو الجموح..!
لكن دعونا -في عجالة- نستقرئ واقع وطموحات واحدة من هذه التجارب النسوية باتت تمتد وتتجذر، بفضل من الله أولا، ثم بدعم كريم من حكومتنا -وفقها الله- ممثلة بوزارة الشؤون الإسلامية.
إنها تجربة (المدارس) أو (الدور) النسائية، تلك النبتة التي سقتها جداول (جمعيات تحفيظ القرآن الكريم) فأينعت ثمارها، وامتدت أغصانها لتطل وتظلل كل أسرة، تعلم من تجهل وأي شيء تعلم؟ إنه القرآن الكريم (مائدة هذه المدارس والدور)، وتهذب سلوكيات ربما كان فيها نشاز أو رعونة - بفعل الفراغ القاتل تارة، وبفعل ضعف التربية والتوجيه تارة، أو بفعل مؤثرات أخرى تحيط بالمرأة ليس هذا مجال عرضها.
حدثني أحد المشرفين على إحدى هذه (الدور النسائية) قائلا: افتتحنا الدار في حي (ما) من أحياء (بريدة) وكان الإقبال جيدا، والدارسات -بمختلف الأعمار- كثر، تفاجأت يوما من الأيام، بأحد الرجال يأتي لمكتب الإشراف ليسأل ويشكر على افتتاح (الجمعية) لهذه (الدار) ويسأل: ماذا صنعتم بوالدتنا؟ لقد اختلف حالها، وتهذبت بعض (سلوكياتها)؟
سأل المشرف وما الذي حصل؟ قال: والدتي إحدى الدراسات عندكم في (الدار) وكانت من قبل (تلعن) هذا (وتشتم) ذاك، و(تسب) و(تصرخ) لأدنى سبب، وبعد انضمامها للدار هدأت الحال، وانشغلت (الوالدة) بالقرآن، تقرؤه وتتعلمه، وولت إلى غير رجعة تلك السلوكيات الشاذة، فأنا أشكركم من أعماقي، وأشكر لمن وراء هذه الدور -في بلادنا- داعما ومشجعا؟!
إنها خطوة (واعية) و(واعدة) من وزارة الشؤون الإسلامية حين أذنت (لجمعيات التحفيظ) في بلادنا العزيزة، بافتتاح هذه (المدارس) أو (الدور النسائية).
وكانت الخطوة (الرائدة) متزامنة مع (الدعوات) الكثيرة، لمزيد العناية بالمرأة، وحيث اتجه مؤشر العطاء للمرأة وتثقيفها عدة اتجاهات -يقترب هذا العطاء أو يبعد- عن نفسية المرأة، وحاجاتها وطموحها، بقدر (إخلاص) و(وعي) أصحاب هذه الدعوات للمرأة.
فقد كان الميدان الأرحب والأعظم الذي ساهمت فيه (الوزارة الموقرة) ولم تكن فيه من (المدحضين) هو القرآن الكريم.
ومن يشكك في (أثر) القرآن {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}.
ومن يماري في (خيرية) المعلمين والمعلمات للقرآن، و(خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
فتحية لوزارة الشؤون الإسلامية، حين تعنى ب(المرأة) عموما، فتجعل من هياكلها (الإدارية) قسما للنساء، وتجعل من (مناشطها) الدعوية و(التوعوية) و(الإعلامية) ما هو خاص بالمرأة، وتعني بتطوير (الطاقم النسوي) (بالدورات) (والملتقيات) ونحوها حتى يكون قادرا بنفسه على مخاطبة المرأة وتوعيتها، وتلبية طموحاتها.
إن الاستجابة للطموحات (الراشدة) للمرأة بات مطلبا ملحا وما أجمله وأدومه حين يكون تحت إشراف جهات رسمية ترعاه وتضبط مساره، وتشرف على بوصلته، وتعمم تجاربه المفيدة.
وآمل أن يتجاوز (أخيار فضلاء) حساسية، ربما تزيد (جرعتها) ويرى أصحابها (وبحسن نية) تضيق فرص (الانفتاح للمرأة) ولو كان راشدا وبإشراف جهات مسؤولة ومؤتمنة؟
وهل يغيب عنا (الانفتاح العالمي) أو (الإقليمي) أو (المحلي) وإذا لم نستطع (مقاومة) هذا الانفتاح، أفلا (نرشده) و(نستثمره) لصالح المرأة؟
لقد كانت تجربة (المدارس، الدور) النسائية تجربة رائدة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وكان الإقبال عليها عظيما يعكس حاجة المرأة وتثمينها لهذه التجربة.
وإذا نجحت وزارة الشؤون الإسلامية في تجربتها لملتقيات (جمعيات التحفيظ) على مستوى المملكة، حيث كان التفاعل، والترشيد، ونقل التجارب..
أفلا تنجح الوزارة في عقد ملتقى ل(الدور، المدارس) النسائية، ويكون بمستوى طموحات المرأة، ويهيئ الفرص لتطوير الأداء، والاستفادة من الخبرات ويجسد العلاقة بين التعليم الرسمي والخيري للمرأة؟
إنه طموح، بل تطلع، لم يغب عن الملتقين والمحاضرين والمدربين، في (الملتقى الأول للدور النسائية في القصيم) والذي نظمته مشكورة جمعية تحفيظ القرآن الكريم ببريدة في 9-1-1429هـ وشهدت صالات فندق (موفنبيك) تفاعلا حارا على مستوى الرجال والنساء أذهب جليد هذا اليوم.. وكان أحد توصياته: الكتابة لوزارة الشؤون الإسلامية لعقد مثل هذا الملتقى النسوي للدور (المدارس) النسائية على مستوى المملكة.
أجل لقد أشعر هذا الملتقى النسائي للدور النسائية بالقصيم، العاملات في الدور بوجودهن، وثمن تجربتهن، وساهم في تطوير أدائهن، واقترح مزيد التفعيل والعناية بهذه الدور في جوانبها (الإدارية، والفنية، والمالية)...
وعبر عن مشاعر النساء في هذا الملتقى (القصيمي) صوت إعلامي مميز، حيث جاء مقال د. خيرية السقاف -وكانت من المشاركات في الملتقى- بعنوان (صناعة الرصيد) بصحيفة (الجزيرة) الأحد 12-1-1429هـ مقالا واعيا، ومشاعر صادقة، وبه تحييّ وتشكر القائمين على هذا الملتقى، وتثني على الأخوات المشاركات وتدعو إلى التأسي، والعناية بالقرآن وعلومه على كافة الأصعدة الرسمية والخيرية.
كل الشكر ل د. خيرية، والتقدير على تفاعلها - ولا شلت يمين سطرت عن (نماذج المرأة المسلمة في بساتين الحصاد).
ويبقى السؤال المهم أين الأقلام النسوية الأخرى، عن الكتابة عن مثل هذه النماذج الواعية لتثقيف المرأة وتطويرها؟
بل يمتد السؤال ليشمل شريحة أكبر من المعنيين بالمرأة، و(المدمنين) على الكتابة في قضاياها، أفلا يلفت نظرهم هذه التجربة النسوية، ويساهموا في مزيد تفعيلها وتطويرها؟!
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، وإذا لم يعد خلاف حول أهمية (الإعلام) و(صناعة الرأي) والمشاركة الإيجابية لصالح المرأة، فهل تتكرم وزارة الشؤون الإسلامية بتبني نشاط (إعلامي نسوي) ويكون ضمن مناشطها الإعلامية.. عبر (مجلة) نسوية أو (مطوية) أو (صفحة) أو (زاوية) في صحافتنا المحلية أو برنامج إذاعي في مثل إذاعة القرآن الكريم أو غير ذلك مما تراه (الوزارة) مناسبا لمنسوبات الوزارة، والعاملات في (المدارس النسوية)؟
بل إن طموح الوزارة، وسعة أفق معالي وزيرها، يحدو المهتمين بشأن المرأة إلى اقتراح بتسريع افتتاح مكاتب نسوية في فروع الوزارة في مملكتنا الحبيبة.. يشرف على مناشط المرأة التي تدخل ضمن مسؤوليات الوزارة، وتعد من مناشطها..
شكرا لمعالي الوزير حين يعنى بدراسة أي مقترح يتصل بالمرأة ويثمن تجربتها، والشكر لرجالات وزارته حين يجعلون (هم المرأة) في أولويات اهتمامهم.
والشكر يكرر لجمعية تحفيظ القرآن الكريم ببريدة، وللمنظمين للملتقى الأول للدور النسائية بالقصيم.. الذين كانوا من أسباب هذا التفاعل الإيجابي.
الأستاذ بجامعة القصيم
Suliman-alodah@hotmail.com