تأليف: معالي الدكتور الوزير: عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
معالي الوزير الأديب الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر يغرف من بحر لا تكدره الدلاء، ويمتح من دلو سمته المتفجر والعطاء والنبع، ومن قرأ كتبه، وتتبع نفائسه، لاشك ولا ريب أني سأكون وإياه على اتفاق تام، وكتبه شتى والغالب عليه وعليها سمة الأدب، وحرفة التأدب، وهي كثيرة العدد، متعددة الغرض، متباينة الهدف، فمنها نقد وفحص وتأمل في تراثنا الأدبي وما هو منحول وموضوع ومختلق، مع بيان السبب، وتبيين الحقيقة، وتدليل الحجة ومن قرأ كتبه على اختلاف أنواعها، وتعدد مشاربها لمح ما صبوت إليه، واردت منه، وهي كتب عديدة، ومصنفات نفيسة، ومؤلفات فريدة، ففي كتابه (إطلالة على التراث) بأجزائه الكثيرة، دليل قوي، وبرهان صائب على أن معاليه يمتلك سمة الفراسة، وروح الصيرفة، وصفة النقد والتمييز، وفي سيرته الذاتية (رسم على أديم الزمن) بأجزائه الثمانية متعة وأي متعة، وأنس أي أنس، وأحس أن قارئه يلتهمه التهاماً، يقبل عليه عاشقا ومحباً ومتيماً ومن تأمل ما تأملته، اعتقد أنه يلمس ما تحسسته، ويدرك ما عشقته وهمت به، وبين ناظريّ كتاب خفيف الظل، بسيط الغرض، يشذ بنفسه عن كتب خويطرنا الملهم، وإن كان ينبع من قريحة العلم والتعليم والتعلم، وهي مهنة مارسها معاليه سنوات مديدة، وأعوام طويلة، فهو قد درّس تاريخ المملكة العربية السعودية لطلاب كلية الآداب، ثم أثبت جدارته، ودلل على تفوقه فترأس وزارة المعارف (31 عاما)، وهي فترة زمنية متطاولة وأي فترة، تنمي المهارة، وتصقل الفراسة، وتهذب النفس، وتنشر عميق الأنس، وهو كتاب ظريف حقاً، نتحسس ظرافته من عنوانه، وتتذوقه من مضمونه، وعنوانه أسلفته لك، وأما فحواه فهو يطرق فن التعليم الذي عاصره خويطرنا معاصرة الفرسان، وعركه معاركة الشجعان، (وفوق كل ذي علم عليم) والطبعة التي أعمل عليها هي الأولى لعام 1428 - 2007م وهو من درر مطبعة سفير المحلقة في سماء العلوم والفنون والآداب.
أول ما يشوق القارئ، ويأخذ بتلاليب الناظر هو عنوانه: (السلام عليكم) وهو يلح على من نظر في هذا العنوان، أن يفك طلاسم العنوان، بالنظر في صلبه، والتأمل في كنهه، ومعالي الوزير الدكتور الخويطر كفانا المؤنة، وحمل عنا المهمة، فجاء ليقول لك في مقدمته اليانعة، الكلمات التالية: (جاء هذا الكتاب مجموعة من كلمات ألقيتها في أوقات مختلفة، بمناسبات متعددة، ولأغراض متباينة في أهدافها متقاربة في طبيعتها.
هذه المقالات ألقيت في محفل من المحافل، وكلها اشتركت في أن الاستهلال فيها جاء بجملة (السلام عليكم) ومن هذا جاء العنوان، وقد راق لي، وأرجو أن يروق للقارئ، وألا يبعده عند النظرة الأولى إلى العنوان، إلى ظن غير المقصود، وفهم غير المفهوم، كما يرى القارئ الكريم فإن الكلمات مختلفة، وأغراضها متباينة، وكل قول يعبر عما فيه، وعما هدف إليه، وهذه المقالات تبين النهج الذي ارتضيته لها، وقد يكون للظل الرسمي عليها دخل في توجيهها سواء كانت الكلمة من التربية والتعليم أو عن غير ذلك).
والتربية والتعليم نظيران متفقان، وندان مشتركان، كل منهما نبع فياض، ومنبع جد دفاق، يصبان في بحر واحد رياحه عاتية، وأمواجه متلاطمة، وهما فنان وعلمان لكل واحدٍ منهما قواعده وأسسه وأصوله التي يتسم بها، وينعت بها، وهما طريدان متجاريان، بل هما من أصعب الفنون قاطبة، سئل أحد خبراء التربية والتعليم المبرزين عن أصعب المهن، وما يستعصي منها على النفوس فأجاب بجواب كافٍ وافٍ حيث قال: (أصعب مهن العالم ثلاث التعليم والتربية والسياسة).
وأما مربينا الخويطري المذهب فيقول ليعلمنا ثمن الطفولة، وقيمة التعليم، ومنزلة التربية: (تربية النشء أمر حيوي بكل عناصره: المدرس، الكتاب، المنهج، طرق التدريس، أوقات الدراسة وأزمانها، ولكل قطر من أقطارنا تجربة في هذا السبيل... إن الطفل أثمن من في المجتمع، والمجتمع لإدراكه لأهميته يسعى لتربيته وتنشئته، باذلاً في ذلك أقصى ما يمكنه أن يوفره من عناء وجهد محاولاً أن يتفادى في ذلك ما مرَّ به في تربيته هو من نقص أو خطأ). ومما لا شك فيه أن كل أبوين يتطلعان إلى نمو وتربية أطفالهما تربية نفسية مثالية، وتربية صحية جسدية نامية، وما زال علماء النفس على قدم وساق في دراسة نفسية الأجيال الناشئة الصاعدة وخصوصا علاقة الطفل بأسرته، فهي الملاذ الوحيد له بعد الله، ومن خلالها ونفوذها تخلق طفلاً مثالياً، أو تخلق طفلاً سلبياً، نشأ على ضعف همة، وفتور قوة، والطفل جوهرة مجتمعه أو ضحيتها، والمجتمع المتقدم الناهض هو ذلك المجتمع الذي يبني ولا يهدم, ويشجع ولا يحطم، وينمي قدرات الطفل الذهنية والعقلية والإدراكية، فإذا ما وجد هذا المجتمع بين طياته فتوراً ونقصاً وتداعي همة، وقصور مهمة، سابق الريح وعكس بكل قوته اتجاه التيار ليخضعه لنفسه إيجاباً لا سلباً وكمالاً لا نقصاً، والمجتمع السامي المتطاول هو ذلك الذي يعالج فجواته، ويكمل نقائصه، وعلَّ معالي مربينا الخويطر يتفق معي كل الاتفاق حينما قال: (إن الناشئ بما لديه من حيوية، وبما لديه من ميل إلى الأسهل، وشغف بالأمتع، يحتاج إلى جهد في المراقبة والمسايرة والملاينة الحازمة وهي أمور تأخذ من فترة التربية وقتاً لا يدركه الناشئ إلا بعد زمن متأخر، وبعد أن يصبح هو مسؤولاً عن تربية جيل لاحق، فيحاول أن يعوض ما فات، ويستدرك ما ضاع، وحتى لا يهدر وقت، ولا يضيع مجهود فإن في يد الجيل المتصدي للمسؤولية في التربية والتعليم أمانة تنأى عن حملها الجبال، وإن العلم في هذا المجال والجهد المتواصل، والتطلع المستمر إلى الأمام، والطموح المخلص لا بد أن توصل إلى الجهد إن شاء الله تعالى).
ويذكرني قول وزيرنا التربوي الثر، بما اتفق عليه العالمان كاربنتر (carpcutr) والعالم كارنن (cernen) على أن نجاح الأجيال بفضل الله وحده ثم بالاعتماد على معلميهم وملقنيهم ولا بد فيه من تطوير مهارات التخطيط والتنفيذ والتقويم في عملية التعليم، ومهنة التدريس، وأن علاقة الأجيال بمعلميهم لا بد أن تعتمد على احترام متبادل شديد بين الطرفين، وأن أكبر المهام التي تقوم على كاهل المعلمين تطوير مستوى المتعلمين ذهنياً وفكرياً وعقلياً، ولله ما أحكم قول (أمير الشعراء) أحمد شوقي حين قال:
أرأيت أشرف أو أجل من الذي
يبني وينشئ أنفساً وعقولاً
سبحانك اللهم خير معلم
علمت بالقلم القرون الأولى
وختاماً: فقد تناول أديبنا التربوي موضوع وماهية كتابه (السلام عليكم) بأسلوب علمي، ونهج تربوي يناسب طبقات المثقفين والمثقفات، وفئات المعلمين والمعلمات، وعايش دورهم في تربية النشء، وتوجيه الأجيال لكل صالح ينفعهم، ولكل صائب يرتقي بهم، في أسلوب تربوي مناسب ليس بالركيك المتهافت، ولا الضعيف المتردي، بل أوقد جذوة الحماس، وأشعل نور الهمة، وأيقظ غفلة الأمة.. ليقول لهم: إن مهمة العلم، ومهنة التعليم هي الفرد الأوحد في تقدم الأمم، ونهوض المجتمعات، وإزالة غبار النسيان والغفلات، ومن هذا المنبر استطاع وزيرنا التربوي الفصيح أن يكون كتابه عاملاً وقادحاً ومشعلاً للهمم والإرادات والعزمات والنهضات والحضارات، حمد المولى سعيه، وشكر الله فعله، وبارك في حدثه وحديثه، ومقاله ومقامه، وقوله وفعله، ولكل زمان دولة ورجال.
ص ب 54753 الرياض 11524
فاكس 4656444
bent-alaasha@hotmail.com