مترجَمُنا الشيخ حسن بن أحمد بن وهاس -رحمه الله- وهو يتحدّر من أسرة علم وفضل وقيادة، ولقد جسّد مناقب تلك الأسرة وزاد عليها فكان واسع علم، عظيم فضل، فنال بذلك ثقة الحاكم والمحكوم،فَقُلِّدَ المشيخة خلفاً لوالدِه ليحمل هموم المنطقة، ويقوم بها خير قيام، ولا يفوتني هنا أن أطلع القراء الكرام إلى أن الإمارة لم تكن بدعاً في تلك الأسرة الكريمة، بل توارثتها جيلاً بعد جيل وحقبة إثر حقبة، حيث ذكرت مصادر تاريخية وثيقة بأن أحد أسلاف الشيخ حسن كان قد حكم مكة المكرمة في عام 401هـ وهو حمزة بن وهاس.
وولد الشيخ حسن بن وهاس في كنف أخواله - من آل بن مجنّي- في قرية مخشوشة بالعرضية الجنوبية وذلك في عام 1346هـ، ولأن أسرة آل وهاس كانت تستشعر ما يناط بها من مسئوليات تجاه المنطقة وقبائلهم، فلقد كانت تعدُّ أبناءها لتلك المسئوليات، فلم تتوانَ عن تعليمهم ولم تتأخر عن تربيتهم تربية صالحة. ومن هنا فلقد تلقى الشيخ حسن تعليمه مبكراً في (المعلامة) وفي المسجد (زمن بن صارم) مع أقرانه الذين يذكرون تلك الفترة الثرية من حياته. ولقد كان يكنى - رحمه الله- بأبي أحمد، ويخالط الناس في مجالسهم، كما كان طيّب المعشر، وليّن الجانب يسمع من الصغير ويحنو على الكبير، فحق له بذلك أن يتولى أمر قبيلته، قبيلة بني رزق ثريبان بتهامة، ولكن كان إذ ذاك صغيراً، فلم يزل في ريعان شبابه، ومع هذا فقد قطف ثمرة ذلك العمر الصغير وقدَّمَها على طبق من ذهب لأهله وقومه..
وعندما نتحدث عن الفترة التي تولى الزعامة فيها فإننا نستطيع إيجاز القول عن تلك الفترة بأنها كانت فترة عصيبة تعصف بها الأحداث والنزاعات القبلية - قبل توحيد هذه البلاد - وهو يقف أمام العاصفة شاباً يافعاً، ولكنه كان متترساً بعلم وروية وخطابة ورأي ثاقب أعانه بعد الله على إخماد كل ما يثور والمضي بالركب من تلك القبائل إلى برِّ السلام.
وقد عُرف عن الشيخ حسن بن وهاس بأنه كان متديناً بالدرجة الأولى، فاستطاع بذلك أن يقضي بين المتخاصمين ويرضي الأطراف المتحاكمة إليه، فسار ذكره حتى توصّل إلى العمل رسمياً بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ثم ما لبث أن ارتقى في ذلك السلم الدعوي حتى عمل رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقته زمناً، ثم عمل رئيساً للهيئة في بارق بمنطقة عسير ثم رأس الهيئة في سراة عبيده.
وكان الشيخ حسن بن وهاس - يرحمه الله- يستخدم تنظيمات إدارية من أجل تدبير الأمور الدينية وشؤون الإمامة في المنطقة، والوثيقة المرفقة توضح إحدى اللجان التي أشرف عليها من أجل تعيين أحد الأئمة رسمياً.
ولقد تحلى الشيخ حسن - رحمه الله - بصفات البطولة والولاء المطلق لولاة الأمر، ثم ما يتبع ذلك من جمال الخطاب، ومهابة الحضور فلقد اتّصل بالحكومة ورجالات الدولة غير مرة، حيث وقف على رأس قبائله أثناء استقبال الملك سعود عندما زار القنفذة في عام 1374هـ، وألقى كلمة رئيس وفود العرضيات المجتمعين في بلدة المخواة حين ذاك، كما قدم على الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود للسلام عليه لتجديد البيعة وتجديد الولاء مراتٍ عدة، وكان على عهدِ صداقة وثيقة مع رئيس مجلس الشورى السابق محمد بن جبير، ويظهر مما سلف أنه كان يتمتع - رحمه الله- برباط من التدين فقد كان على صداقة حميمة مع الشيخ علي الحذيفي إمام الحرم النبوي.
ولقد مضى فارسنا إلى أمرِ ربه وأسلم الروح إلى بارئها عام 1404هـ وذلك عقب حادثٍ مروري أليم، فصلّي عليه في مكة المكرمة كما كان يتمنى ويوصي أولاده.
ولقد ترك - رحمه الله- إرثاً طيباً يتجلَّى في أولاده الذين أكملوا المسيرة وشرّفوا والدهم ومنطقتهم خير تشريف؛ حيث تناقلوا حسه القيادي في كل جهة تذود عن حياض هذا الوطن المعطاء.
عبدالهادي بن مجنّي
bnmgni@hotmail.com