تقرير - عبد الله الرزقي
انقسم (العلماء) حول إثراء فقر المعلومات عن أخبار وأحوال العرب البائدة وكتابة تاريخ العرب قبل الإسلام إلى فريقين:
* الفريق الأول: لا يرى فائدة مرجوة في معرفة المزيد عن حياة أولئك الأقوام ويرى الاكتفاء بما وصلنا، ويرى أن البحث والدراسة في الاستزادة بمعلومات إضافية موسعة هو من قبيل ضياع الجهد والوقت فيما لا فائدة فيه عن أقوام عذبوا، فيرون ذلك جهالة لا تضر وعلماً لا ينفع فليس من داعٍ لمعرفة المزيد عنهم، وقام هؤلاء بالتشنيع على المؤرخين ووصفهم بالإخباريين تحقيراً لصنعتهم والتحذير منهم، والطعن في نزاهتهم وعلمهم كابن الكلبي.
* الفريق الثاني: فيرى أن الحاجة تستدعي لملء الفراغ الكبير في العلم.. عن حياة وأخبار تلك الأمم لتأكيد العظة والاعتبار من جهة ولإثراء فقر تاريخ العرب قبل الإسلام واحتجوا بأن القرآن الكريم أورد من الأخبار والمعلومات عن حياة العرب البائدة ما لم يورد أي كتاب آخر {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ}، وقد أورد القرآن عن أقوام العرب البائدة ذلك على سراة العظة ولاعتبار ولإجلاء الضجر عن نفس نبي الأمة والتخفيف عنه بإيراد أخبار أنبياء ورسل أرسلوا إلى أقوام من العرب البائدة... فكذبوا الرسل.. والقرآن كتاب تشريع وبيان حق وهو مع ذلك حوى ذكراً لتلك الأمم كما احتج هذا الفريق بأن من المفسرين الثقاة من جاء على إيراد جوانب من حياة العرب البائدة ومنهم: ابن عباس، ابن إسحق، الطبري، ابن كثير، وسواهم.
والواقع نحن إلى الفريق الثاني أميل، ولكن كيف السبيل إلى إيجاد (وعاء) يحتوي الجديد في المعرفة الدقيقة عن حياة الأمم السالفة في ظل إحجام المؤرخين العرب عن (التورخة) لتلك الأمم مما أسهم في فقر فاحش عن حياة تلك الأمم والشعوب مما معه دخلت بعض الأوهام والأساطير والخرافات.
ومن الجور إصدار حكم يقضي ببطلان كلما ورد عنهم ووصفهم بأقذع الأوصاف ووصمهم (بالإخباريين).. ثم تباينت الأقوال وانقسمت التقارير والرؤى حول... نسبة الأماكن والأقوام والاعلام المتعلقة بحياة الأمم السالفة التي ورد ذكرها بالقرآن الكريم - والكتب الأخرى فحدث الاختلاف بين المؤرخين حول العديد من القضايا من حيث:
الإثبات والتأكيد والنفي والقطع والفصل والرد وبين (متشدد) لا يرى في الأصل بحث هذا الموضوع وآخر مقتنع بما في أمهات الكتب والكتب الموثوقة عن أولئك الأمم وبين آثاري لم تسعفه الظروف في أن يحصل على نقوش مؤرخه تؤكد أو تنفي ما أوردته كتب التاريخ أو يدحضها بشكل واسع وبصورة مباشرة بين أولئك جميعهم (ضاعت الطاسة).
أما قائمة الاختلاف والتباين بين العلماء في التفسير أو التاريخ أو الجغرافيا والأنساب والجيولوجيا
في تقرير مصدر أمكنة وإعلام وأمم وردت الكتب السماوية أو في القرآن الذي جاء على ما لم تجئ به كتب قبله وبعده، فهي قائمة تشير إلى قصور وإهمال وأحكام جائرة صرفت الأنظار والفكر عن السير حثيثاً في الكشف عن الحقائق والوصول إلى الواقع عن تلك القضايا العالقة والشائكة (بمجهر التحقيق) ويوصله الكشف الأثري، فمنها الاختلاف في تقرير أمكنة من أهمها:
* إرم ذات العماد والأسئلة الدائرة حولها هل تكن مع من رآها إن المقصود بها القبيلة؟ أم مدينة؟ ثم إذا رأينا أنها مدينة فهل هي في اليمن في تيه أبين أم أنها الإسكندرية أم دمشق وكل ذلك أورده العلماء والمفسرون وكل له دليل، وموقع كهف أصحاب الكهف أين يقع من القولين التاليين وأي الأرجح:
هل هو شمال غرب طرسوس وفق ما ورد في دوائر المعارف أم قرب البتراء أم في أبها عسير؟.. وكلما تقادم الزمن اتسعت رقعة ادعاء تلك الأماكن ونسيتها ونسيها.. والاختلاف في موقع أسواق العرب قبل الإسلام كسوق عكاظ وحباشة وهلم جراً.
أما الاختلاف بين المؤرخين (قديماً وحديثاً) في تقرير وتحقيق المواطن والديار الأولى التي كان يقطنها قوم (عاد) وقوم (ثمود) فهي قضية معلقة لم يبت فيها المؤرخون وتحرج منها آخرون وكأنهم لا يريدون أن تكون ديارهم مناطق تؤول إلى القوم.. فصرفوا النظر وضربوا صفحاً عنها مع أن الطبري يشير إلى أن هناك من اتبع سبيل الرشاد من قوم عاد.. وكانوا مع هود وكذلك هناك من اتبع النبي صالح من قوم ثمود.. ودخول بلقيس في دين سليمان وصوراً كثيرة لا تسوغ لنا أن نعمم على أن جميع القوم كانوا جميعهم في وضع مخالف فنصرف نظراً ونضرب صفحاً عن تحقيق تلك الديار وإن كان ذلك مستحيلاً في زمننا هذا فإنه لن يكون كذلك للأجيال القادمة، ولكن علينا أن نضع بعض الإضاءات التي يمكن الاستفادة منها في تحقيق ذلك مستقبلاً فنبدأ بديار (عاد):
فالمعروف أن (عاد) هي من أقدم الأمم ويضرب المثل في قدم الأشياء فيُقال: (هذه أطلال عادية) وأمور عادية أي تعود لعصر عاد لقد نال تحقيق (ديار - وبلاد عاد) شيئاً من الوضوح قال تعالى: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ} «1» سورة الأحقاف.
وتعني الأحقاف: جمع حقف وهو ما اعوج من الرمل واستطال لكن المؤرخين والبلدانيين والمفسرين شرقوا وغربوا في المقصود.
(1) الأحقاف في رأي ابن عباس - وادٍ بين عمان وأرض المهرة وحكى ابن اسحق وقال المسعودي: من حضرموت وذهب عددٌ من البلدانين والمؤرخين والمفسرين مذاهب لكنها لا تبعد كثيراً عما ورد آنفاً ويؤكد ذلك أنه لا يوجد بجزيرة العرب كلها وادٍ يحمل اسم وادي الأحقاف سوى وادي حضرموت ويأتي تحقيق ذلك الموضع بناءً على ما أورده هارون بن أحمد العطاس في كتابه عاد في التاريخ المطبوع 1398هـ الذي أصدره العلاّمة حمد الجاسر.
أما ثمود... فقد اكتنف ديارها وموطنها الأول الغموض بخلاف موطنها الثاني بعد جلائها وهجرتها إلى موطنها الثاني وادي القرى أو شمال الجزيرة - مدائن صالح أو نحو ذلك.. إذاً ما اسم المكان الذي استوطنته (ثمود) أولاً قبل موطنها الثاني؟؟؟؟
وأين يقع تحديداً؟... لقد جد البحث في كتب المؤرخين والبلدانيين والمفسرين لتحديد المكان الأول الذي عاشت به ثمود قبل أن تتوجه إلى شمال الجزيرة العربية.
فلم نجد مما تتوافر منها بين أيدينا إجابات قاطعة أو فاصلة بل أغلبها لم يحدد قطعياً ذلك المكان سوى عبارتين عامتين فقط:
الأولى: إنها كانت بين الحجاز واليمن، والثانية: في عسير دون تحديد وتفصيل ولعل من ذهب إلى أن من مواطن ثمود الأولى بعسير صائب فيما ذهب إليه ولكن أين من عسير؟
إذا كان على وجود نقوش ثمودية فالنقوش الثمودية منتشرة في كل مكانٍ من المنطقة.
نعم، ثمود لا وطن لها والشاهد ما أورده الأستاذ محمود محمد الروسان في كتابه القبائل الثمودية ص 17 قوله: ثمود لم يتوطنوا أو يستقروا في منطقة بشكل دائم فنراهم في الحجر ووادي سرحان وخليج العقبة وفي وسط الجزيرة العربية في (عسير) ونجد حسب وجود كتاباتهم ولا تختلف مع الروسان في مسألة أوطان ثمود في الشمال كخليج العقبة أو في وسط الجزيرة العربية باعتبارها أوطاناً محددة ومعروفة استقروا بها لكن الذي لم يتقرر هو: أين موطن (ثمود) الأول قبل هجرتها إلى الشمال؟
أين هو سواء من اليمن أو من عسير؟
مع العلم أن مؤرخين أمثال بطليموس ذكر أن ثموداً كانت قريبة من عاد.. وآخرون يرون أن حمير أجلت وطردت ثمود من ديارها لكن يظل السؤال قائماً أين تلك الديار وأين تقع وما حدودها وما طبيعة أرضها؟؟؟؟
ولما خلت كتب البلدانيين والجغرافيين والإخباريين والرحالة من تحديد المواطن الأصلية الأولى لقوم (ثمود) من جنوب الجزيرة العربية ولما (غيبت) ثمود من كتب أو ضاعت الكتب التي تخص ذكراً لها ومع ذلك لم يتحدد مكان بعينه، فإن أقرب المواضع والأماكن القديمة التي يمكن اعتبارها من مواطن (ثمود) الأولى جنوب الجزيرة التي عناها بعض المؤرخين (بعسير) دون تحديد المكان من إقليم عسير فإن أقرب تلك الأمكنة والمواضع موضع كان يقع ضمن النطاق الجغرافي القديم بعسير وليس اليوم هو ثميدة (معدن) (وموقع أثري) كبير وهي بلاد وسلسلة جبلية تمتد من وادي إبيان في العرضية الشمالية (شمالاً) إلى وادي ثربان في العرضية الجنوبية (جنوباً) شرق القنفذة بمنطقة مكة المكرمة حالياً نقول إن ذلك الموقع هو من الأماكن التي يمكن اعتبارها من مواطن (ثمود) الأولى في جنوب الجزيرة العربية قبل هجرتها واستقرارها في شمال الجزيرة وذلك لجملةٍ من الأسباب يمكن إيجازها فيما يلي:
وقوعها في النطاق الجغرافي القديم لمنطقة عسير.
أولاً: التسمية (بثميدة) وعلاقتها بثمود وقد وردت في كتب الكلاسيكيين ثمود... بثموداتي وثموديتاي عند اليونان وعند الرومان فثمود:
- مؤنثه (ثميدة) وجمع مؤنثة... ثميدات وهذا الجمع ورد في الكتابة عن ثمود في الكتب القديمة بثموداتي وثموديتاي ومعنى: ثمود وتخريجها: ثمد والثمد جمع ثماد... الماء القليل يتجمع في الشتاء وينضب في الصيف الحفرة - يتجمع فيها ماء المطر.
ثانياً: بثميدة معادن متعددة ومنها... الفضة - الرصاص - الكحل وهناك بها جبل من الكحل اسمه الكحل، ولعل المقصود بالكحل المنسوب للاثمدي (الكحل الاثمدي) نسبة للكحل بلاد وجبال ثميدة.
1 - إن ثمود كانت بالجنوب وأجلتها (حمير).
2 - إن التحديد الجغرافي الذي أشار له د. مهران في تاريخ العرب القديم لشرقي القنفذة: تتوافر به مناجم قديمة للفضة هو ثميدة حيث أشار بنصه في صحيفة رقم 124هـ.
الفضة: وجدت مناجم قديمة للفضة شرقي القنفذة وعند منتصف المسافة من وادي قنونا وادي يبه وتلك المسافة هي (ثميدة).. وهذا قد وجدناه خلال جلوسنا وجود رسوم ونقوش ثمودية بثميدة.