هل نستطيع أن نفسر المشهد المأساوي في غزة بمعزل عن سياقه الزماني المكاني أو خلفياته التاريخية؛ كونه حلقة في سلسلة صراع طويل بين قوى الطغيان التجبر وبين شعوب متخلفة عاجزة عن مقارعة حاضرها وظرفها بذكاء ودربة أو على الأقل قدرة على التصدي لواقعها من خلال تراكم الخبرات والتجارب؟
بالطبع الصراع اليوم لا ينحصر في تلك المواجهة بين الفلسطينيين واليهود على حدود غزة كما يراها بعض من الرومانسيين في العالم العربي الذين استطابوا مقاطع النواح التي يدبجونها بها بين الفينة الأخرى.
لأن المشهد في غزة يثير عدداً من الأسئلة الموجعة على رأسها لما تختار المليشيات المسلحة في غزة بعد فقدانها السلطة أن تغامر بحياة مليون ونصف مليون فلسطيني جلهم من النساء الأطفال في سبيل تحقيق أجندتها السياسية تلك الأجندة المرتبطة بشكل راسخ مع طهران؟ لما حينما اجتمع الاتحاد الأوروبي للمزيد من الحصار لإيران، أوعزت إيران لذراعيها في المنطقة بالتحرك عندها اجتمعت الفصائل الفلسطينية الموالية لإيران في دمشق، ومن ثم بدأت المعارضة اللبنانية في لبنان بمظاهرات وصلت إلى حد قطع الطرق وإحراق الإطارات في بيروت, وقبلها بدأت حماس في إطلاق صواريخ بدائية الصنع على المستوطنات اليهودية المجاورة لغزة؟
مع الأسف أن الذي يقود روح المقاومة والتصدي في المنطقة تلك المجموعات التي ترفع شعار مقاومة المشروع الأمريكي في المنطقة، ولكن كي تستبدله بالمشروع الفارسي وصولاً إلى تحقيق حلم الهلال الشيعي الذي يمتد من إيران ليصل إلى البحر المتوسط.
صراع الشعوب في سبيل حقوقها هو حق شرعي تقره جميع النواميس الإلهية والقوانين الدولية معاً، لكن عندما تكون هذه المقاومة فوق أجساد النساء والأطفال، وبين البيوت والأزقة المزدحمة، والتترس بحقائب الأطفال المدرسية وخطوات النساء ووهن العجائز والشيوخ ستنطلق عندها الأسئلة المستريبة عن مدى مشروعية هذا النضال.
أليس من المفترض أن القيادات الفلسطينية وعبر ستين عاماً من الصراع تكون قد طورت لها آلية في المقاومة والصراع باستراتيجية وذكاء ودربة الضعيف، والفاقد لتوازن القوى؛ أي من خلال التحايل على الظروف والمتناقضات اقتراباً من الحقوق المشروعة وحقن الدماء، طوال هذه السنين عجزت تلك القيادات على تطوير مقاومة تكتيكية ذكية تحفظ اللحم الفلسطيني المتناثر الأشلاء على امتداد ستين عاماً من الصراع.
ودوماً يخبرنا التاريخ أن الحروب هي جولة من جولات الصراع بينما المفاوضات والحوار والسياسة هي التي تحسم الصراعات في النهاية.
ولكن قدر القضية الفلسطينية مع الأسف أنها أصبحت (قميص عثمان) الذي يلوح به أي صراع في المنطقة للحصول على المشروعية ويهرول خلف هذا سياسات مرتبكة عاجزة وفاقدة للرؤية التاريخية الشمولية.
ويطبل لهم جوقة من المنظرين الذين يعانون من المراهقة السياسية والانفعالية الطافحة بشكل يبقيهم في مواقع اللغو الإنشائي يحاولون ترويجه عبر منابرهم الإعلامية في زمن مل فيه الجميع شعاراتهم وشعوذتهم اللفظية، وما زال هناك من يلوح بشعارات منتهية الصلاحية من التخوين والمزايدات، ويزعق بمقولات متهرئة بلا أجنحة، وما زال أولئك الندابون مقولبين داخل خوذاتهم الصخرية التي تحجبهم عن التواصل مع محيطهم بشكل واقعي وطبيعي ومستجيب لشروط الصراع المرحلية.
على الرغم من أن هذا الصخب والضوضاء لم يحقن قطرة واحدة من الدم الفلسطيني المسفوح بلا توقف.