يتحدث الناس كثيراً عن خطورة التحرك نحو المجهول، ويوصف الإنسان المتهور بأنه يسير بجنون نحو مصيره المجهول، وتوصف المجتمعات التي تخرج من عباءات وقارها وحيائها وقيمها مقلّدة غيرها من المجتمعات البشرية المتفلّتة بأنها مجتمعات تسير بنفسها إلى المصير المجهول، لفت نظري تكرار هذا التعبير في مجلس من المجالس كان النقاش فيه يدور حول المصير الخلقي المجهول الذي تسوق إليه وسائل الإعلام المختلفة في عالمنا الإسلامي، وكان حديث الجالسين يحدّد أبعاد المشكلة فيقول: إن أرقام الإحصاء الدقيق تؤكد أن جلوس الفتى أو الفتاة أمام الشاشة وفي يده جهاز تغيير القنوات (الريموت) دون حسيب أو رقيب يؤدي إلى انحراف خلقي كبير عند أكثر من 70% من المشاهدين الشباب، وتشير مراكز الدراسات الاجتماعية ومراكز العلاج النفسي إلى أن مظاهر الانحراف التي تحدث في المجتمع بسبب وسائل الإعلام تتباين في مستواها من حيث شناعة الانحراف وخطورته، فمنها ما يؤدي إلى التحرش الجنسي بالمحارم، والوقوع في زنى المحارم، ومنها ما يؤدي إلى القتل الشنيع الذي تنشر بعض الصحف شيئاً يسيراً من أخباره، ومنها ما يؤدي إلى الاختطاف والاغتصاب، والزواج المِثْلي، والعلاقات المحرَّمة بصفة عامة، ومنها ما يؤدي إلى الأمراض النفسية القاتلة التي تؤدي بدورها إلى الانتحار، هكذا كان تداول الحديث في ذلك المجلس يسير بهذه الصورة، ثم يتفق المتحدثون علماً أن وسائل الإعلام المنحرف تسوق الناس إلى المجهول، والحقيقة أن هذا الوصف لهذه الحالة السيئة يؤكد لنا أن تلك الوسائل تسوق الناس إلى المصير المعلوم وليس المجهول، فنهاية طريق الانحراف خسارة كبيرة في الدنيا والآخرة، وهزائم متوالية، وانهيار خلقي يحوِّل المجتمعات البشرية إلى حياة حيوانية، بل إلى ما دون حياة الحيوان، وهذا مصير معلوم، فكيف نعبِّر عنه بالمجهول، ونهاية واضحة لا غبار عليها، بل إن دعوة الناس إلى التفلت من القيم والمبادئ، دعوة مرسومة الأهداف معلومة النتائج، مقرَّرة في أذهان المخططين لها، فليس هنالك تحرُّك إلى المجهول في دنيا الانحراف العقدي والفكري والخلقي، وإنما هو تحرُّك واضح إلى المعلوم.
وهنا ننبه أنفسنا أولاً، ومجتمعنا السعودي ثانياً، ومجتمعنا العربي الإسلامي ثالثاً إلى أن مظاهر الانحراف التي يدعو إليها الغرب وأتباع فكره المنحرف من المسلمين إنما هي مظاهر معلومة النتائج واضحة الأهداف، مرسومة الخطوات، وهذا يدعونا إلى إعادة النظر بقوة ووعي في مسألة الانفتاح الاقتصادي، والاجتماعي، فإن اندماج المسلمين في خُطط الغرب المرسومة بعناية دون وعي وبصيرة سيكون ذا نتائج مدمرة لخيراتنا واقتصادنا وأخلاق أجيالنا، وإن الذين ينادون إلى الانفتاح الواسع من ليبراليّي المسلمين وعلمانيِّيهم ليجرّون الويلات على أمتهم وقبل ذلك على أنفسهم من حيث يشعرون أو لا يشعرون، فمن الواجب على أهل الرؤية والبصيرة أن يكونوا على مستوى الموقف، وأن يعلموا أنَّ الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل.
إشارة: نعوذ بالله من الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنْعاً.
www.awfaz.com