الثقافية - حازم السند
ألقى الدكتور نادي حسن شحاتة عضو هيئة تدريس كلية الآداب بجامعة الملك سعود محاضرة تحدث فيها عن الإكسير بين العلم والفن، متخذاً ديوان (شذور الذهب) نموذجاً..
وقد تناول فكرة الإكسير قديماً وحديثاً وبيَّن أنها مادة يمكن استخلاصها من الحيوان أو النبات أو الجماد، ويتم الحصول عليها ببعض التدابير والعمليات فيؤدي إلى الشفاء من كل داء أو إعادة الشباب وكذلك تحويل المعادن إلى ذهب أو فضة، وذلك حسب قوة التدبير الذي تم إجراؤه. ولقد دارت تسمية هذه المادة ما بين الإكسير وحجر الفلاسفة والسر الأعظم والحجر والحجر المكرم، وكان الحصول عليها يتطلب جهداً شاقاً داخل المعامل القديمة وفي سرية تامة.
ثم عرض المحاضر نظرة تاريخية لهذا العلم وكيف عاش في أحضان الكيمياء ردحاً من الزمن وعن اقترابه من مجالات السحر والشعبذة، وأوضح أن هذا العلم مر بثلاث مراحل زمنية هي: مرحلة الأسكندرية (الإغريقية)، ثم المرحلة العربية، ثم المرحلة الأوربية. وقد اعتمد أهل الصنعة كثيراً على أساسيات الكيمياء كمعرفة خواص الأشياء، وسمات المواد، والأوزان، والمعايير، والنسب، والتفاعلات، والعمليات، وغير ذلك، لكنهم تميَّزوا بسرية هذه الأوزان ونسبها ثم رمزوها، كما أخذ أهلها زاوية محددة في البحث هي الإكسير مرتبطاً بقضايا فلسفية كبرى كالحياة والموت والسر الأعظم. وفي نهاية النظرة التاريخية وضَّح المحاضر الجدال الذي دار بين أهل الصنعة ومنتقديها، وحجج كل فريق منهما بين النفي والإثبات.
وألمح إلى أن هذا العلم يقوم على الإلغاز والرمز لمسمياته وتدابيره من خلال ألفاظ مستعارة، فمثلاً يرمزون للذهب بالشمس وللفضة بالقمر وللزئبق بالزيت وللحديد بالمريخ...، ومن هنا أصبحت نصوص الإكسير مجالاً خصباً للإبهام والغموض والإلغاز، وإن كان كل علم يحتاج في فهمه إلى مُعطيات عامة يمكن الوصول إليها ببعض القراءة؛ فإن علم الصنعة يحتاج إلى مفاتيح سرية قرائية لنصوصه يتم تداولها سراً بين أعضاء الجماعة الصنوعيين.
ثم تحدث المحاضر بعد ذلك عن اللغة في علم الصنعة وازدواج الدلالة والسمات الخاصة بالمتلقي وبين كيف يقوم النص الإكسيري على الخصوصية أو الصفوية أوالفئوية في تناوله وتعلمه.
ثم عرض لكثير من علماء هذا الفن مثل خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأبي جعفر الصادق، وجابر بن حيان، والرازي، ومحمد بن إميل التميمي، وابن وحشية، وابن أرفع راس الأندلسي والعالم الكيميائي الكبير الجلدكي، ثم عرض للإنتاج النثري والشعري (الإكسيري) في التراث العربي واستشهد في ذكر قضايا هذا العلم بديوان (شذور الذهب في الإكسير) لعلي بن موسى بن أرفع راس الأندلسي، وقد سبق للمؤلف تحقيق هذا الديوان .
وعن أهم الخصائص العلمية لهذا العلم أردف الدكتور شحاتة بحديث عن فكرة الطبائع الأربعة للمخلوقات (الماء، الهواء، النار، الأرض) ثم أفاض في الحديث عن السمات الفنية مثل قضايا: الكتمان، الغموض والرمز، اللغة في نصوص الصنعة، الحديث عن أهل الصناعة، الرد على منتقدي الصنعة، وجوب تقوى الله في سر الصنعة، وصف الرحلة مع الصنعة.
تلا ذلك مناقشة من الحضور كانت أكثر بياناً للجوانب الفنية الأخرى، حيث تعرَّض الأستاذ الدكتور عوض القوزي والأستاذ الدكتور ناصر الرشيد والأستاذ الدكتور صالح معيض الغامدي لعلاقة الإكسير باللغة المعمَّاة في السحر والصوفية، وتأثير الحرفة. أدار الندوة الدكتور حافظ المغربي.