الجامعات السعودية، منذ تأسيسها في النصف الثاني من القرن العشرين، حملت دوراً ريادياً، واجتماعياً تمثل في وضع أسس التعليم الوطني والمنهجي ووضع لبنات التعليم العالي في انطلاقته الأولى.. وقامت جامعتا الملك سعود، وكليتا الشريعة واللغة العربية - جامعة الإمام حالياً - بدور فعال في الحياة الاجتماعية والسياسية، والاقتصادية، والعلمية في المملكة العربية السعودية.
وفي هذا العام الذي يشهد تطورا كبيرا وقفزة نوعية متقدمة في مجال التعليم العالي. وافتتاح أعداد كبيرة من الجامعات في مختلف أنحاء المملكة، والجامعات الخاصة، والكليات التقنية، والمعاهد العليا، والمتوسطة.. يحقق التعليم العالي ازدهاراً وتطوراً سريعين حرم منهما عقوداً طويلة.
إن ما تقوم به الجامعات حالياً من محاولة الاستيعاب لجميع الطلاب الراغبين في الالتحاق بها، وضخ الكفاءات العلمية، والأكاديمية في سوق العمل.. يجعل هذه الجامعات تلامس الغاية التي أنشئت من أجلها.
أريد من خلال ما تقدم أن أشير إلى أمرين مهمين:
(أولهما): أنه لابد من رسم سياسة ذات أبعاد منهجية تعيد النظر في حاجات السوق، والمجتمع من الاختصاصات الأكاديمية، والفنية، وذلك لتسريع عملية النمو الاقتصادي، والاجتماعي والاستفادة من مشروعات التخرج في حقل الخدمات التي تهم المواطنين، ووضع تصور كامل لما ستكون عليه الحياة الاجتماعية في المملكة خلال الخمسين سنة القادمة،
وما ستشهده المملكة من تحولات اجتماعية لاشك أنها تتسارع في وتيرة قوية ومؤثرة.
(ثانيهما): إعادة القيمة المعرفية والأكاديمية والتنويرية للجامعات السعودية، التي عاشتها سنوات عدة عند تأسيسها: فالجامعات ليست حقلا أو مقراً للدراسة - بالمفهوم المدرسي المعروف - وأخذ الشهادة فحسب. إنما الجامعات مراكز تنوير ومعرفة وحراك فكري، وثقافي، وأدبي، كما أنها مراكز للأبحاث والدراسات، والمختبرات وهي بالتالي الإطار الذي يمكن من خلاله أن ينظر إلى الأمة تقدما أو تخلفاً.
ما دعاني إلى ذلك هو ما أشاهده من تقاعس الجامعات السعودية.. كل الجامعات.. عن أداء أدوارها الريادية والاجتماعية. والعلمية. وتحولها إلى محطات للتعليم يستقر على تخريج دفعات من الأكاديميين الذين يحملون شهادات وأوراقاً ممهورة بالأختام تثبت أن الطلاب.. قد تخرجوا وتجاوزوا امتحاناتهم.
وأنظر بشيء من الأسى والحزن والمراراة إلى حال الجامعات وما هي عليه من ركود وتقوقع، وجدب فكري وعلمي، ومعرفي.. وأتساءل لماذا توقفت الجامعات السعودية عن تخريج أسماء مهمة في حقول المعرفة، والعلوم التطبيقية، والنظرية منذ عقود. في حين أن العديد من الأدباء، والمثقفين والعديد من الأطباء، والمهندسين البارزين، وأساتذة الجامعات قد تخرجوا من هذه الجامعات في بداياتها في السبعينات، والثمانينات. وذلك في جو تنافسي وتفاعل ثقافي وعلمي.
إن الجامعات لها دور مهم وكبير، والواجب الديني، والوطني يقضي بأن تقوم بدورها الذي تمارسه كل الجامعات المتقدمة في أنحاء العالم بما يحقق بناء قدرات الوطن والمواطن في عصر التحديات العالمية.. إذا أريد لهذه الأمة أن تأخذ مكانها بين الأمم. وإذا أريد لجامعاتنا أن تقف رقما مهما وبارزا في أولى الصفحات وأعمدة التقييم.
ص.ب 15695 - الرياض 11454