Al Jazirah NewsPaper Wednesday  23/01/2008 G Issue 12900
الاربعاء 15 محرم 1429   العدد  12900

البشت!
سالم الرويس

 

كثر الكلام عن الشعر، وكثر المدافعون عنه، وكثر العابثون به، والكل يدعي خدمته. وليس الحديث عن حال الشعر ومآله بجديد، فمنذ نشأة النقد الانطباعي والكلام فيه كثير، والتذمر من تردي حاله مثير، ولعل لتركيبة العقل العربي المتباكي دائماً على الماضي سبباً في رفض التغيير، وحصر حرية التعبير، وإن كانت الفوضى الشعبية، والهجمة الشرسة على الشعر النبطي، قد شوهت جمالية التغيير، وتجاوزت حرية التعبير.

ولقد كان الفرزدق يقول: (كان الشعر جملاً بازلاً) إلى آخر مقولته النقدية التي لم تترك للمتأخرين شيئاً من هذا الجمل!

لكن الشعر الذي كان جملاً لو افترضنا أنه لم ينحر ولم يتقاسمه فحول الشعراء، لم يعد جملاً! ولكم أن تتخيلوا ماذا أصبح!

وأنا لست ببعيد عن الفرزدق في تصوري عن الشعر وما آل إليه؟ وكيف كان؟ وكيف أصبح؟ ومن هم فحول الشعراء الجدد الذين نحروا صورة الشعر الجديد؟ وكيف تقاسموه؟

ومن هنا أقول: كان الشعر بشتاً حساوياً، مجود التطريز، يلبسه النخبة وعلية القوم، ويتهادوه فيما بينهم، وكان غير مبتذل في الملبس، فهو لا يحضر في كل المناسبات، ولا يلبس في كل الأمكنة، ولا في كل الأزمنة، فله مكان وزمان خاصان جداً، يحضر فيهما بكل وقار، وحين تنتهي مهمته، فإنه لا يطرح على الأرض بل يعلق عن (الخشاش) عالياً وبعيداً عن عبث الأطفال ومن في حكمهم!

لكنه ومع العولمة تحول هذا البشت الحساوي إلى فروة شمالي* تلبس في كل زمان وفي كل مكان يستوي فيها الشيخ والراعي والكبير والصغير، والعاقل والمجنون، وكثرت ألوانها ومصادر صناعتها، وليس لها حضور مختلف، بل قد تلبس دون مناسبة، وقد يستدعيها البرد، وقد ينام بها، وتترك في مكانها كأي ملبوس آخر لا يمثل علامة ثقافية أو اجتماعية مميزة، وقلما يتهادى بها علية القوم، لأنها ملبوس مشاع مهما علت قيمته المادية.

والأغرب من هذا كله أن الفروة قد اتخذت شكلاً قريباً من البشت في عملية التطريز، وأيضاً في نوعية الوبر المصنوعة منه، ولكنها مع هذا تبقى فروة، ولا يمكن أن يقول عنها بشت إلا من لا يعرف أصل كل منهما، ولا يفرق بين قيمتها الاجتماعية.

وهنا يحضرني قول الشاعر الأردني ماجد المجالي:

لو كان شعري شعير

لاستطعمته الحمير

لكن شعري شعور

ما للحمير شعور!

* فروة الشمالي لباس يستخدمه أهل الشمال، ولا يقلل من قيمتهم، لكنهم يتميزون عن بقية القبائل بلبسه صيفاً وشتاء كما يروى، وهذه تقاليد اجتماعية قد يكون لنوعية البيئة دور في بروزها كعلامة فارقة.

Rouis22@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد