قراءة الصحف بقدر ما تسركَ أحياناً فإنها تسوؤكَ أحياناً..!
لقد أخذتُ (صحيفة الجزيرة) صباح الاثنين الماضي، وإذا بي أجدُ على صفحاتها خبرَ ورثاءَ وصورَ الراحل العزيز الشيخ صالح العجروش المدير العام الأسبق لمؤسسة الجزيرة، رحمه الله رحمةً واسعة.
لقد عادت بي الأيام إلى تلك الفترة الذهبية وإلى أولئك الزملاء الأعزاء في بواكير بداية العمل الصحفي، وكنا نعمل في جوٍّ حميمٍ، وحماسٍ كبيرٍ، وكان عماد الخيمة (الجزيرية) التي تظلنا في جانبها الإداري هذا الراحل العزيز الشيخ صالح العجروش، وكان في جانبها التحريري الأستاذ خالد المالك.
كان الشيخ صالح يتعامل معنا كأب، ويعاملنا كأخٍ كبيرٍ.. كان رجلاً دقيقاً في عمله وتراكم خبرته في الوقت الذي كان بسيطاً رقيقاً تحس أنك تعرفه منذ أول لقاء بينك وبينه.
* * *
لن أخوض في حديث الذكريات مع هذا الراحل العزيز ولكن أتوقف عند بعض ما أسداه لدينه ووطنه وصحافة بلده، رحمه الله.
لقد كان الشيخ العجروش من أوائل الجامعيينَ الذين عملوا في الميدان المالي والإداري، وفي المواقع التي تخدم الناس في أهم ما يحتاجون إليه مثل خدمات الكهرباء والماء، وأبلى - رحمه الله - كما عُرِفَ عنه من إخلاصٍ وإنجازٍ بلاءً حسناً في هذه الميادين الخدمية، وفي ذات الوقت كان أحد أعمدة المؤسسات الصحفية.
* * *
** لقد كان (أبو خالد) - رحمه الله - يتعامل بتلقائية تنزع نمطية العلاقات المعقدة بين الرئيس ومرؤوسيه.. وكان قلباً أبيض مشرعاً على البساطة والإنسانية والصدق والحرص على خدمة الناس وبخاصة أولئك الذين لا يجدون لهم عوناً سوى أصحاب القلوب الرقيقة من أمثال الراحل العزيز.. لقد حدثني أحد مَنْ كانوا يعملون معه بمصلحة المياه بالرياض، وكانت تأتي بعض الأزمات التي لا يصل فيها الماء إلى بعض الأحياء وكان الشيخ العجروش يقف بنفسه في فناء المصلحة منذ ساعات الصباح الأولى يُشرف ويُنظِّمُ الحصول على أرقام (الوايتات) التي توصل الماء إلى المنازل، وكان - رحمه الله - عندما يجد رجلاً كبيراً، أو إنساناً مُعاقاً يأتي إليه، ويبادر بخدمته ولا يدع الفناء ويذهب إلى مكتبه إلا وقد اطمأن على أن أمثال هؤلاء بخاصة قد تهيأ لهم وصول الماء إليهم.. رحمه الله وهذا ما بقي له من ذكرٍ عاطرٍ في الدنيا، وأجر موفور إن شاء الله بالأخرى، أَلم يقل الشاعر في حكمة بقيت على لسان الدهر:
(وليس سوى صنع الجميل مخلدّاً
وليس سوى الذكرى تظل وتخصب)؟..
* * *
** أما في مجال الصحافة فقد كان أحد روادها في ميدان تطورها الإداري والفني، فقد كان على رأس إدارة مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، وأسهم من خلال إدارته وخبرته وأمانته في تطور هذا الصرح الصحفي الذي أصبح أحد شوامخ المنظومة الصحفية السعودية، ومن جانب آخر ساهم الراحل بقلمه بطرح العديد من القضايا والهموم التي تهم الوطن والمواطن بأسلوبٍ سهلٍ لطيفٍ كما هي أخلاقه وتعامله.
* * *
بقيَ جانبٌ آخر ومهم أَلا وهو صبره على متاعب المرض في أخريات حياته؛ جعل الله ما ناله تكفيراً لخطاياه.. لقد كان عنوان الصبر، أذكر أنني زرته في مسجده الملاصق لمنزله، الذي كان يعتني به كأغلى ما لديه، ورغم تعبه - رحمه الله - فلم يشكُ أو يتبرم، بل كان يحمد الله على نعمه التي أولاها إياه.
الشيخ صالح العجروش أحد رواد العطاء النادرين بتواضعهم وإيثارهم وخدمتهم للآخرين، وكم يؤلمنا رحيلهم لكنها الحقيقة التي تعلمناها من كتاب ربنا منذ عرفنا الحياة {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتَِ}.. وما أعظمها من حقيقة، وما أصدقها من نهاية..!
أسأل الله أن يغفر لفقيد العطاء والعصامية والصبر، وأن يجمعنا به في جناتٍ ونهر في مقعدِ صدقٍ عندَ مليكٍ مُقتدر.