استطاع كبار المستثمرين تكوين ثروات كبيرة من أسواق المال، في حين ذهبت هذه الأسواق بالأخضر واليابس من مدخرات الصغار، وهناك فجوة كبيرة في طريقة التفكير، أو في النظرة التي ينظر إليها كل طرف - الرابح منهم أو الخاسر - إلى أسواق المال، مما نتج عنه تبايناً كبيراً في النتائج، جميعها خسرت بنسب متفاوتة وكثير منها خسر في يوم واحد بنفس النسبة التي خسرها السوق السعودي في يومين، وهنا يلح علينا السؤال: هل انتهى السوق أم تجدد؟؟
إذا كنا نقتنع بأن أسواق المال هي مرآة لاقتصاديات البلدان، فإننا بفضل الله وحده نمتلك اقتصاداً قوياً، وبالتالي نمتلك شركات قوية، وبالتالي فإن أي هبوط في قيم تلك الشركات وبالأخص عندما تهبط إلى أسعار متدنية جداً، يجعل الفرص تتجدد أمامنا، ويجعل سوقنا أكثر إغراء، المشكلة عندما يكون سوقنا مغرياً لغيرنا، وشبحاً مخيفاً بالنسبة لنا!!!
تقوم حالياً قناة - بلوم بيرج البريطانية - بتغطية متواصلة لأسواق الخليج بوجه خاص، وتعدها من أهم فرص الاستثمار الموجودة حالياً. نقلت في مقابلة هاتفية مع أحد المسؤولين (فيليب خوري) قوله: تظهر الأسهم الخليجية أقل تكلفة للمستثمر الأجنبي بسبب ضعف الدولار الأمريكي، وأكد أيضاً أن العديد من الأسهم ما زالت أدنى من قيمتها العادلة وذكر (مورجان ستالي) أن الأسهم الخليجية سوف تتضاعف قيمها خلال هذا العام 2008م، ولكن نحن نجزع كثيراً عندما يهبط السوق ليومين أو ثلاثة أو أقل أو أكثر، لأننا ببساطة ننظر إلى السوق كمعاش يومي لا يصلح إلا للمضاربة فقط، نتجاهل كثيراً للقيم المتدنية للأسهم التي أمامنا، ونتجاهل أننا نتداول عدداً كبيراً من الشركات القوية والواعدة بقيم أقل من 10 يورو للسهم الواحد، ونتجاهل كثيراً أن الاستثمار الحقيقي إنما يكون بالنظر إلى (قيمة السهم) والتي تمثل قيمة الشركة، لا بالنظر إلى وضع السوق صعد أم هبط، إننا نملك فرصاً حقيقية ونادرة، تمثلها القيم المتدنية لشركات كبيرة وواعدة، وتعكس اقتصاداً وليداً نشطاً كفيلاً بأن يحقق كثيراً من الإنجازات مستقبلاً، كل هذا نضيعه من أيدينا لأننا نفكر كثيراً في وضع السوق غداً، هل سيهبط فأخرج وأبيع، أم سيصعد وأقوم بالشراء، ولا نفكر عن وضعه بعد عام أو عامين أو ثلاثة.
إن الاستثمار في القيمة، هو السبيل الصحيح للخروج من أزمات السوق وتكوين قوى مالية ترفع من مكتسبات المتداول البسيط، ولا يكون الاستثمار في القيمة صحيحاً إلا بتوفر ثلاثة شروط:
الأول: حسن اختيار الشركة التي تملك قيمة جديرة بالشراء.
الثاني: حسن اختيار الوقت المناسب للدخول والشرء.
الثالث: الصبر على هذه الشركة من غير نظر إلى الطوارئ الحادثة التي قد تلم بالسوق بشكل طبيعي، وهذه الشروط الثلاثة هي ما سنأخذه بشيء من التفصيل في المقالات القادمة بإذن الله، وقد تكون البداية بالشرط الثالث، وهو الطوارئ الحادثة التي تلم بأسواق المال، والتي ينظر إليها كثير من المتداولين على أنها حوادث ذات تأثير جذري، مع أن حقيقة الأمر أن جميع الحوادث التي قد تتطرأ على أسواق المال لا يتعدى تأثيرها سوى هزات بسيطة وثانوية لا تغير من حركة السوق الأساسية، وعندما نقول: (حركة السوق الأساسية) لأن أسواق المال ليس لها سوى حركة واحدة فقط وهي (الصعود) لا غير.
فهد الحربي