على خلفية انتهاك المرأة السعودية في مصر وما جرى من ابتزاز إعلامي ومادي معتاد من بعض وسائل الإعلام المصرية والقوى الأخرى المختلفة. يبدو أن الوقت قد أزف لتغيير طبيعة التفكير وطبيعة النظرة السياسية لكثير من الأمور سواء في المملكة أو في العالم العربي.
هناك ثقافة وفكر عفا عليهما الزمن ولكنهما مع الأسف ما زالا يرسمان العلاقات بين الدول العربية كاستراتيجية مقدسة يتمنع الاقتراب منها. تعابير مثل (أقوى دولة وأكبر دولة وأعرق دولة وأضخم دولة إلخ) تتغير مدلولاتها في العالم وتتبدل وفقا للمتغيرات التاريخية إلا في العالم العربي نراها باقية على حالها منذ أيام أحمد سعيد عندما كانت أحجام الدول تقررها استديوهات الإذاعة وكمية الزعيق المنتج فيها.
حان الوقت للعقلانية وإدراك الحقيقة. حان الوقت أن تطرح الأسئلة الأساسية أمام الإنسان السعودي، فالحوار الوطني السعودي الذي أسسه ويقوده الملك عبدالله بن عبدالعزيز يجب ألا يقتصر على مناقشة العلاقات الداخلية السعودية والقضايا المحلية بل يجب أن يأخذ في اعتباره حجم الدور السعودي أمام الدول الأخرى في المنطقة وفي العالم. يجب أن يعرف المواطن السعودي من يقرر سياسات المنطقة، من يملك الاقتصاد المؤثر، ومن يملك أوراق اللعبة، ومن يملك قوة التأثير على القضايا الساخنة، ومن هي الدول التي وقعت على أوراق التخلي عن مسؤوليتها في المنطقة ومن هي الدول التي حلت مكانها. ما هو حجم الصومال وما هو حجم سوريا وما هو حجم إيران وما هو حجم مصر وما هو حجم السودان. ومن هي الدول التي تعيش على الإعانات الأجنبية، ومن هي الدول التي تقدم هذه الإعانات ولماذا. يجب أن يضع المواطن السعودي كل دولة من الدول في مكانها الصحيح في تفكيره وفي نظرته إليها لكي نخرج من أسر التاريخ ونسير في طريق العقلانية. التاريخ ولّى. لم نعد في عصر الوحدة العربية أو عدم الانحياز أو الاشتراكية إلخ. مات تيتو ومات عبدالناصر ومات سوكارنو ومات تنكو عبدالرحمن لماذا تبقى ذيول هذه الفترة المظلمة من التاريخ ثقلا على الإنسان السعودي، ويبقى الإنسان السعودي، النفطي إذا أردنا التعبير المضمر في عقولهم، ضحية ماض امتلأ بالهزائم والهروب من المسؤولية والتردي الاقتصادي وانهيار القيم. إذا اتضحت أجوبة هذه الأسئلة للإنسان السعودي العادي والإنسان العربي عندئذ سيبدأ التاريخ الحقيقي يكتب ويعبر عن نفسه في العلاقات بين الدول العربية وبين أفراد هذه الدول. وسيعرف المواطن السعودي حجم بلاده أمام كل دولة من الدول.
صنعت المنابر والإذاعات في الستينات أدوارا وإمبراطوريات وهمية حتى أصبحت الخرافة جزءا من مكون القيم السياسية العربية. ما جرى للمرأة السعودية في مصر لم تكن غلطة الإعلام المصري والابتزاز المنظم هناك بقدر ما هي ضحية الخرافة السياسية التي ما زالت تتحكم في العقل العربي.
فاكس: 4702164
Yara.bakeet@gmail.com