ازدادت وطأة الحصار الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في غزة، وتراكمت المعاناة المعيشية للأهالي والمدنيين العزل، الذين تأخذهم إسرائيل بجريرة إطلاق الصواريخ على مستعمراتها لترمي بهم في غياهب معاناة العقاب الجماعي المجحف, والتي طالت ساديته الكبير والصغير, المقاوم والأعزل، في ظاهرة تأخذنا من عالم اليوم المتحدث باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، والعقل الجمعي للبشر, لتعيدنا إلى بربريات العصور الوسطى، حيث كانت الدولة تطلق يد البطش فيمن شاءت من الأقليات والاثنيات بلا حسيب أو رقيب، وبلا أقل مساءلة دولية.
إن أغرب ما تلازم مع هذه الهجمة العنصرية التي تقودها حكومة أيهود أولمرت في حصارها على قطاع غزة، هو ما تشدق به رئيس وزراء الاحتلال العنصري، من أن هذه الإجراءات القاتلة للمدنيين تحظى بتأييد الإسرائيليين وكأن السيد أولمرت يحاول أن يلعب أو يتلاعب بالذاكرة الإعلامية للجميع بمن فيهم الشعب الإسرائيلي ذاته، الذي سأم من المتاجرة بأمنه المزعوم من قبل ساسة المؤسسة العسكرية الحاكمة بإسرائيل.
إجراءات القمع والحصار التي أطلق عليها (خنق غزة) لا تتعدى كونها عمليات خنق واغتيال لكل مشاريع التسوية والتعايش السلمي، التي تقذف بها إسرائيل بعيداً عن أرض الواقع من خلال ممارساتها العنصرية التي حولت أهالي القطاع إلى ما يشابه اللاجئين على أراضيهم، حيث بلغت نسبة نقص وتقلص الإمدادات إلى 70% وحرم الناس من أقل مقومات الحياة البسيطة كالكهرباء والإضاءة، وباتت المستشفيات بلا تدفئة، والمرضى الذين يعيشون على التنفس الاصطناعي على حافة الموت، وتعدى الأمر ذلك إلى عدم توفر الأسمنت لبناء القبور والأكفان لمواراة الموتى، وتناقص الخبز، والدواء، مما حدى بمدير وكالة الغوث إلى وصف تلك الكارثة الإنسانية بالقول: لا نملك المصطلحات الكافية لوصف ما يجري.. كل إنسان في غزة باتت لديه مشكلة شخصية تزداد صعوبة.
كل هذه التراكمية من النكبات والاضطهاد الذي تجره إسرائيل وتتفنن فيه، سيعود على شعبها بتراكمية مضاعفة من الحقد وزرع الكراهية ورفض شعوب المنطقة للتعايش السلمي معها، وإفشال مشاريع وطموحات السلام، التي أثبتت كل التجارب السابقة أن إسرائيل وجنرالاتها هم يعملون ضدها ويعرقلون خطاها، ليس فقط بتطرفهم العقدي الذي جاوز كل نظريات التطرف المعاصرة, بل بإجراءاتهم الفاشية والعنصرية التي قبل أن تضر من تصفهم إسرائيل بالمخربين فإنها تضر مستقبل الإنسان الإسرائيلي في المنطقة؛ فالاحتلال عندما يبني جدر الفصل العنصري لا يبنيها لجلب الأمن لنفسه بل لحبس نفسه والتقوقع بداخلها عن فضاء التعايش المشترك, وعندما يخنق غزة فإنه يخنق السلام.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244