فقدت (الجزيرة) أحد آبائها الذين أوصلوا (الجزيرة) الجريدة والمؤسسة إلى ما هي عليه الآن، فقد ودع أهل وأصدقاء وأبناء الجزيرة بعد عصر يوم الأحد الشيخ صالح العلي العجروش عضو مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر، ومديرها العام الأسبق الذي يعد هو وتوأمه الأستاذ خالد بن حمد المالك رائدي بناء المرحلة الثانية من بناء هذه المؤسسة العريقة، فالشيخ صالح العلي العجروش (يرحمه الله) والأستاذ خالد الحمد المالك تسلما الراية من مؤسس الجزيرة الشيخ عبدالله بن خميس -أمد الله في عمره- وبعد أن أنجز الشيخ ابن خميس مرحلة التأسيس وواظب على إصدار الجزيرة أسبوعياً بدأت المرحلة الثانية بإطلاق الجزيرة الصحيفة يومياً، يومها كان الإقدام على مثل هذا العمل مغامرة ما بعدها من مغامرة، إلا أن الشيخ صالح العجروش (رحمه الله) والأستاذ خالد المالك قبلا التحدي وتحملا مسؤولية تحويل الجزيرة إلى صحيفة يومية، يدعمها في ذلك عدد من أعضاء المؤسسة على رأسهم الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز السديري رئيس مجلس الإدارة.
ثالوث الخير هذا (الشيخ عبدالله السديري والشيخ صالح العجروش والأستاذ خالد المالك) كان لهم فضل كبير وباع عال لانطلاقة الجزيرة التي كانت سيدة الصحف السعودية، واستمرت في التوهج والتألق بفضل الثقة العالية والدعم والمساندة القويين اللذين قدمهما الشيخ عبدالله السديري للمدير العام الشيخ صالح العجروش والأستاذ خالد المالك رئيس التحرير، وكان لتفاهم وتناغم العجروش والمالك وإدارتهما للعمل الفضل فيما وصلت إليه الجزيرة، كان خالد المالك متفرغاً لعمل التحرير ويقدم الأفكار وينفذ المبادرات والعجروش ينمي الموارد ولا يبخل بأي شيء يطلبه التحرير حتى وإن اضطر إلى الدفع من ماله الخاص.
ولأن الصحف لا يمكن أن تستمر في الصدور دون أن توفر دعما ماليا مستمرا عن طريق تنمية الموارد من خلال الإعلان، فقد اهتم الشيخ صالح العجروش بإنشاء قسم متخصص للإعلانات عيّن ابن الجزيرة عبدالرحمن الحنو مسؤولاً للإعلانات وذهب للسودان ومن هناك أحضر رجلا متخصصا هو الزميل محمد حسين ومصمم وخطاط هو الزميل حسن مختار (يرحمه الله) ثم أخذ يدعم القسم حتى اتسع وكبر وانتعشت الإعلانات حتى أصبحت تزاحم المواد التحريرية، وهنا وبتناغم رائع بين العجروش والمالك زادت الجزيرة صفحاتها من 16 صفحة إلى 24 صفحة ثم 36 صفحة وصولاً إلى 48 صفحة، ومع هذا كانت الإعلانات تحجز لتنشر بعد أيام في الجزيرة، لعدم وجود مكان في صفحات الجزيرة، إذ كان رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك لا يريد أن تطغى الإعلانات على المواد التحريرية، وهكذا فقد بدأ التفكير في إنشاء مطبعة حديثة حتى تستطيع الجزيرة أن تصدر بصفحات أكثر لاستيعاب الإعلانات التي كان أصحابها لا يفكرون إلا بالجزيرة، ومن أجل تقديم مواد تحريرية تستوعب أفكار رئيس التحرير خالد المالك، وهنا ظهرت عبقرية وقدرة الشيخ صالح العجروش -يرحمه الله- في توفير المبالغ اللازمة والتمويل لشراء ماكينة طباعة حديثة حيث تم شراء الماكينة لتكون الجزيرة أول مؤسسة صحفية تمتلك ماكينة طباعة (كوَّز) ألمانية، لتحل جزءاً من المشكلة حيث زادت الصفحات إلا أن الإعلانات ظلت تزاحم المواد مما جعل الجزيرة تحقق أكبر ربح من بين الصحف المحلية.
دخلت محراب الجزيرة عام 1395هـ قادماً من مؤسسة اليمامة وقبلها كنت في السياسة الكويتية وكنت عندما أزور بلدي في إجازاتي السنوية عندما كنت أعمل في الكويت أقضي جل وقتي في الجزيرة قبل عام 1390، وخلال تواجدي عرفت الشيخ صالح العلي العجروش، رجلاً متواضعاً إلى درجة لا توصف، كان يعامل الصغير والكبير معاملة يندر أن تجدها عند غيره، من أبو عوض المكلف بخدمة مكتب المدير العام إلى جميع أبنائه الصحفيين والإداريين، عملت معه أكثر من عقدين لم أره يوماً غاضباً بل الابتسامة تسبق كلامه، لم يكن عملي معه في الجزيرة فقط، بل تعدى ذلك في اتحاد كرة السلة، حيث كان الشيخ صالح العجروش رئيساً لاتحاد كرة السلة، وكنت مكلفاً بتمثيل لعبة كرة السلة في اللجنة الرياضية التي كانت تدير ما كان يسمى بالألعاب المختلفة لتميزها عن كرة القدم، وقتها كنت حكماً دولياً ومشاكل التحكيم كانت ولا تزال هماً، إلا أن صالح العجروش كان يزودنا بنصائح نتجاوز بها الإشكاليات، كان الرجل محل ثقة المغفور له الأمير فيصل بن فهد حيث كان بالإضافة إلى منصبه رئيساً لاتحاد كرة السلة، كان أميناً عاماً للصندوق في اللجنة الأولمبية السعودية، أي كان الشيخ صالح العجروش مؤتمناً على أموال الرياضة، مثلما كان مؤتمناً على أموال أكبر مؤسسة صحفية وأكثرها ازدهاراً جريدة الجزيرة.. رحم الله صالح العلي العجروش فقد كان أباً ومعلماً وأخاً لرواد الصحافة وعمالقتها.
jaser@al-jazirah.com.sa