السلام يعني (بقاء) البشرية وازدهارها، والحرب تعني (إبادة) البشرية وفناءها. فبمجرد أن وصل الإنسان إلى أسلحة (الدمار الشامل) أصبحت الحرب لها بعد آخر، تقشعر منه الأبدان، بعدٌ يعني بالضرورة أن تنتهي الحياة على هذا الكوكب أو تكاد.
لم تعد الحرب كما كانت مجرد سيف ورمح وخيل وحمير وإبل وبغال، وشجاعة وإقدام، كما لم تعد مجرد (كلاشينكوف) يتصيد رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وتنتهي القضية بمجرد أن (تلج) رصاصة في هذا الجسم أو ذاك، وليست شجاعة (غلام) أحمق جاهل لعبت به الأمراض النفسية ففجر نفسه في العدو (الكافر) طمعاً بالحور العين. دخول أسلحة الدمار الشامل إلى حلبة الصراع، يعني (عملياً) أن الحروب بين أمم الأرض هي بالضرورة نهاية هذا الكوكب. وعندما يُصر بعض (البسطاء) على أن (غزو) الكفار ضرورة يحتمها الدين، لابد من العودة إليه بمجرد أن نمتلك أسباب النصر، فإن أسباب النصر أصبحت أسلحة الدمار الشامل، وهذا يعني أن العالم الغربي عندما يبذل كل ما في وسعه كي (يضع) العراقيل والعقبات أمامنا لمنع المسلمين من امتلاك اسلحة الدمار الشامل، هو لا يحمي نفسه فحسب، وإنما يحمي الحياة على هذه الأرض من أن يدمرها (دعاة الغزو) والحروب والقتال الذين يجاهرون بذلك، ويدعون إليه على رؤوس الأشهاد.
هذه هي الحقيقة التي ينتهي إليها - مثلاً - قول أحدهم أن من أهم مهام هذا الدين: (جهاد المشركين مطلقاً وغزوهم في بلادهم حتى لا يكون فتنة، ويكون الدين كله لله، ليعم الخير أهل الأرض، وتتسع رقعة الإسلام، ويزول من طريق الدعوة دعاة الكفر والإلحاد، وينعم العباد بحكم الشريعة العادل، وتعاليمها السمحة، وليخرجوا بهذا الدين القويم من ضيق الدنيا إلى سعة الإسلام، ومن عبادة الخلق إلى عبادة الخالق سبحانه ومن ظلم الجبابرة إلى عدل الشريعة وأحكامها الرشيدة، وهذا هو الذي (استقر) عليه أمر الإسلام). انتهى.
ماذا تعني هذه الفتوى عملياً؟
تعني أن (الغزو) هو جزء من ديننا، وبالتالي فعندما نصل إلى القوة العسكرية، الموازية لما لدى الكفار من قوة، (يتعين) علينا شرعاً غزوهم، وإذا فرطنا في غزوهم، فقد فرطنا في (الجهاد) الذي هو سنام الإسلام، وكأن الجهاد (فقط) هو الغزو!.
هنا لابد من مواجهة هذا الفكر بكل الوسائل، لأن التساهل بشأنه، أو مجاملة أساطينه، أو أي شيء من هذا القبيل، قد تنتهي إلى أن جميع أمم الأرض ستسعى إلى (تحجيمنا) بكل ما أوتوا من قوة.. ولأنهم الأقوى، ولأنهم يملكون كل أسباب التقدم، ولأن (التنمية) هم مصدرها، ولديهم معينها الأول، ولأن السلام في عصر أسلحة الدمار الشامل هو خيار الأمم الوحيد، فلابد من إعادة قراءة وتأويل نصوص (الجهاد) بشكل يختلف عما كان السلف يقرؤونها فما نعيشه الآن وما يفرضه علينا الواقع يختلف تماماً مع أزمان وواقع أسلافنا.
هذا هو خيارنا (الوحيد) كي نبقى في عالم أصبح السلام لا الحرب منتهى طموح شعوبه.