المجتمع يتحرك وفق دوافع وأهداف كثيرة ومن هذه الدوافع تلك التي تأخذ به وظيفة غريزية لطلب الغذاء والدفاع عن وجوده وحب البقاء والتكاثر.
دافع آخر -بطبيعته ذاتي الأصل هدفه تحقيق الذات وإثبات وجودها من خلال مجموعة أفعال.....
.....تخص الذات أو أنها أشمل في التفاعل مع كل ما حولها، ووفق هذا المفهوم فإن الوطن محصلة الأرض والمجتمع، والدافع الملتزم يدرك أن من سار بالوطن بلا فهم للمعطيات التاريخية والجغرافية وهو خلو من الانتماء وشروطه سار بالوطن وأهله إلى الفراغ والعدم.
وليس من مجتمع ووطن بخاضع لاختيار أحد منا، فلقد ولدنا على أرضه كما هو دون اختيار، بمعنى آخر لا رأي لنا في المعطى الجغرافي أو التاريخي المهم توفر روح الانتماء، والقدرة بالفهم على تطوير كل ما له علاقة بتقدم الوطن وتطوره.
ومن المحاور الهامة التي تؤسس لمجتمع وأرض حالات ثلاث: المعتقد والأخلاق والثقافة، فالمعتقد يقوى بقوة الاعتقاد ومدى قدرته على خلق حالة من التوازن بين الإنسان والأرض والسماء، والإنسان ونفسه وحالة الإشباع الروحي التي يمنحها هذا المعتقد.
وحتى تستقر كل الأمور نحو ما هو إيجابي أساسه الأمن المشترك بين أبناء المجتمع الواحد فإن المصدر الأول جوهره العقيدة.
ولاسيما أن الإنسان محاط بمجهول مطلق، ومجهول مغطى، المطلق منه وجب التسليم به بالإيمان الكامل، والمغطى من المجهول يستجيب لمن يحسن كشف الغطاء وذلك من مسؤولية الإنسان اكتشافه بوسائله الصحيحة بعيداً عن الأسطورة أو الخرافة أو التعالي، فالثقة التي تستمد قوتها من عمق الإيمان والقدرة بعلم وخبرة كفيلة بأحسن البدايات وحال مدخلها العلم بوسائله القادرة وفق طاقة أعلى بجهد وصبر لا ينفد مبشراً بأحسن النتائج.
هذا كله الوسيلة نحو غاية البناء المتقدم، أما الجانب الأخلاقي فهو وليد لإفراز المعتقد وقد يشوبه إملاءات ومفاهيم وافدة، ولذا وجب الحذر والتفكر بتتابع لا تردد معه، ومن هذا المنطلق يؤخذ بالاعتبار والمراجعة كل موروث بحسبان الزمان والمكان وللنسبية دور في تباين الأخلاق وفي رصد الأخلاق لدى أمم أخرى مكسب لما هو أحسن وعدم التورط في الرديء منها.
وأخيراً حاجة الإنسان للمشترك منها. فالصدق لا يقبل النسبية، والكذب آفة لها تأثيرها السلبي على الفرد والمجتمع وحالة الأمن لكل منهما، وكذلك الوفاء، والوعد بمعنى آخر كل المنظومة التي تعتبر وسائل ملزمة ومتلازمة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، أي الأخلاق الإنسانية.
بينما الكرم والشجاعة مثلا قد تخضع لمفهوم النسبية، وقراءة الموروث والعرف ومراجعته أمر تتطور به الأخلاق الحميدة ولنا مرجعية في ذلك، القرآن الكريم والصحيح من كل قول للرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم- وما هو نافع من الموروث وكذلك العرف، أما الجانب الثقافي فأهمه أسلوب التفكير والمنهاج الذي به يستقبل ويقرأ الأشياء من حوله، وما قد يحل من جديد، والوسيلة سعة الأفق وعدم التعصب أو إسقاط ما يحل قبل محاكمته والتبصر في محتواه كما أن الحصيلة المعرفية والتعلم لهما مردود فعال على الممارسة تفكراً وتحليلاً، وكما قيل (إن فعل القوة من قوة الفعل)، ومن خلال هذا القول الفلسفي (أرسطو) فإن قوة الاعتقاد عمق في الإيمان وكذلك المعطيان الأخلاقي والثقافي.