التهديد الذي لوَّح به أحد قادة التيار الصدري بإعادة أنشطة ميليشيا المهدي بالعراق إلى أرض الواقع وإطلاق يدها من جديد في جسد المجتمع العراقي يعيد لنا من جديد الوجه المخيف الذي يطل علينا وعلى العراق من حين لآخر، ليشرح ويفصل أزمة الفئوية والحزبية في الدولة العربية وخطر انفجارها في أي وقت خصوصاً إذا فقدت أدوات الضبط والربط التي فطرت عليها أدبيات الأحزاب والتكتلات العربية، ومع أن للعراق وما يعيشه الآن من ارتباك أمني وسياسي يمكن تسميته بخصوصية الفوضى إلا أن من نافلة القول أن فسيفساء المجتمع السياسي العربي تفتقر إلى معطيات المأسسة والارتباط التي تجعل جميع الفئات والمنظمات السياسية تنصهر في بوتقة ومسار واحد.
يقول القيادي الصدري في تصريحة أو بالأحرى تهديده: (إن معطيات تجميد ميليشيا جيش المهدي قد تبددت مع تمسك الحكومة بعصابات إجرامية داخل الأجهزة الأمنية بالمحافظات). وإن صدق تصريحه أو كذب، فإنه يدل على تغلغل ثقافة الميليشيات في العراق وترسخها لدى فئاته السياسية التي بدأت تهرول نحو تلك الثقافة وتحتمي بها بل وتهدد بمقوماتها من حين لآخر لإثبات قوتها على أرض الواقع وتمرير ما تريده من أجندات ومكاسب فئوية ومذهبية ضيقة وبعيدة كل البعد عن فلسفة الارتماء في حضن المشروع الجامع لأبناء الوطن بغض النظر عن مذهبياتهم الحزبية والسياسية التي كان يجب أن تنطلق إلى مشاريع وخطط التنمية والتطوير والاستعداد إلى ما بعد مرحلة انسحاب القوات المحتلة.
كانت التحذيرات ولازالت تتوالى بخصوص الشأن العراقي عن تدخل الدول الأجنبية في تركيبته لحماية مصالحها الخاصة وتنفيذ أجنداتها الدولية، إلا أن التحذير الآن يتعدى ذلك إلى خطر نشوء أشباه الدوليات داخله من أتباع التمذهب السياسي, وأصحاب الميليشيات الذين يتسابقون على تعبئة الأتباع ونشر ثقافة سلاح الطائفة بينهم حتى أضحت الدولة مرتعاً لكل طامح وطامح يصبو إلى تكوين ميليشياه الخاصة، ويطعمها بقناعات المذاهب ويشحنها بطوباويات الخيال السياسي الممزوج بروح الدين, ولعل بروز ظاهرة جند السماء خير دليل على ذلك. إن أكثر ما يحتاج إليه العراقيون - وعندما نقول العراقيون نعني بهم الشعب والدولة والمؤسسة التي هشمت مقوماتها بين وطأة الاحتلال وتفجير المارد المذهبي - هو فضاء سياسي واجتماعي يحمي استمرارية المجتمع وديمومته من تهديدات السلاح وقناعات التحزب واستغلال الأتباع والميليشيات وتوظيفها بعد اقتطاعها من النسيج الاجتماعي لتكريس ثقافة القوقعة المذهبية التي باتت من أكثر المهددات ذات الاستمرارية المستقبلية.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244