«الجزيرة» د. حسن الشقطي(*)
للأسبوع الثالث على التوالي ومنذ أن لامس المؤشر مستوى 11606 في 24 من الشهر الماضي، وهو يمر بحالة من الحيرة الشاملة، حيث إنه رغم تجاوزه لهذا المستوى وملامسته لمستوى 11965 منذ ثلاثة أيام، إلا إنه لم يلبث أن عاد من جديد إلى مستوى 11600، واستمر هذا المنوال حتى إغلاقه الأسبوعي، حيث أغلق عند 11544 نقطة عندما خسر 253 نقطة نتيجة خروج جماعي كان أشبه بالهروب السريع.. فماذا حدث الأربعاء؟.. ويزيد من هذه الحيرة عدم معرفة اتجاه المؤشر حالياً، فإلى أين يسير المؤشر؟ وكيف يتجه؟.. فالمؤشر أحرز أهدافه المتوقعة سريعاً.. كما تجاوز القياديان (سابك والراجحي) أهدافهما قبل الوقت المقرر بكثير.. ورغم ذلك فالآمال معلقة على القفز فوق مستوى الـ12 ألف نقطة.. والغريب أن لا أحد يقول كيف سيتحقق ذلك؟ ربما لأن كل منهم يرى كلامه غير مبرراً.. إلا أن نفس الوضع هو ما حدث فعلياً قبل تجاوز المؤشر لمستوى الـ 11 ألفاً.. والآن هناك العديد من التساؤلات التي تبحث عن من يجيب عنها: هل السوق تجميع أم تصريف؟ بل هل الصعود دليل كاف على تأكيد التجميع في السوق؟.. وهل فعلاً توجت موجة الصعود الأخيرة بدخول سيولة جديدة؟ وإذا لم تكن هناك سيولة جديدة، فهل يتوقع لهذه السيولة -إن وجدت- أن تدخل السوق الآن وهو في عز ارتفاعه؟ وهل بعض الارتفاع في أسهم المضاربة هو ارتفاع استفاقة أم أنه ارتفاع خادع للانتهاء من تصريف العالقين؟ أكثر من هذا، فهل سوق اليوم يتجه ناحية السكون والاستقرار أم إلى مزيد من الحيرة حتى إبريل المقبل؟ وإذا كان فعلاً يتجه إلى مزيد من الحيرة.. فهل مكاسب أو خسائر اليوم وغداً محسوبة على المستثمرين أم أنها حصيلة فترة انتقالية مهداة؟.
السوق يربح 252 نقطة ويفقدها الأربعاء
أغلق السوق هذا الأسبوع على انخفاض بمقدار 99.2 نقطة تقريبا عندما أغلق عند 11544 نقطة، وهو انخفاض أسبوعي يأتي رغم ثلاثة أيام من الصعود بدأها بصعوده القوي يوم السبت الماضي والذي ربح خلاله 252 نقطة تقريباً. وقد خسر السوق حوالي 149 نقطة يوم الأحد، ثم خسر حوالي 252.7 نقطة يوم الأربعاء بفعل عمليات الخروج الجماعي المفاجئ. والأمر الغريب أن مقدار ربحية المؤشر السبت يعادل تقريباً خسارته الأربعاء.. فكيف ولماذا حدثت هذه الخسائر؟ وهل هي بداية لمسار مغاير للصعود؟.
البنوك والصناعة تقودان الهبوط
منذ ثلاثة شهور تقريباً، والبنوك والصناعة يمثلان القطاعين الفاعلين في السوق، حيث قادا الارتفاع، وسارا بالمؤشر ليخترق الـ 10 و11 ألفاً ثم إلى 11895.. وقد لعبت سابك والراجحي الدور الأكبر في ذلك بجانب بعض البنوك الأخرى، وبعض أسهم البتروكيماويات.. إلا إنه بداية من هذا الأسبوع انعكست قيادة البنوك والصناعة لتسير بالمؤشر في طريق هبوطي.. البعض يحلو له أن يربطه بنتائج أعمال البنوك التي أعلنت بعضها عن انخفاض في معدلات الأرباح السنوية مقارنة بالعام الماضي مثل ساب.. كما يحلو للبعض الآخر أن يربط انخفاض البنوك التي لم تعلن عن أرباحها بالتوقعات المتشائمة لمستويات هذه الأرباح، وبخاصة في ظل افتقاد البنوك لأرباح العمولات في سوق الأسهم.. ورغم منطقية ذلك، إلا أن معدلات الهبوط في القياديين يوم الأربعاء (تراجع الراجحي بنحو 2.8%، وتراجعت سابك بنحو 1.8%) لا تزال تدلل على أنه ليس الهبوط المخيف المعتاد في السوق.. كما أن التوقعات المتفائلة لنتائج أعمال سابك تحديداً تعزز من احتمالات صعودهما الأسبوع المقبل.. بما يؤكد أن تراجع الأربعاء لا يشكل مساراً هابطاً يتوقع أن يسير فيه المؤشر، بل هو بمثابة التوقف أو جني أرباح طفيف أو عملية تخويف من المضاربين، لن يلبث المؤشر أن يستعيد بعدها نشاطه.. بل إنه رغم هذا الهبوط فإن المؤشر يتوقع أن يخترق الـ 12 ألفاً قريباً.
هل كان الهبوط مفتعلاً هذه المرة؟
في كل مرة نقول: إغلاق إيجابي مفتعل، ولكن هذه المرة هبوط وبنسبة مرتفعة، فهل هو مفتعل أيضاً؟ لقد جاء الهبوط سريعاً وجماعياً وخلال يوم الإغلاق الأسبوعي، إلا أن هناك دلائل لافتعال هذا الهبوط، من أبرزها أنه لم ينل كافة الأسهم، بل إن 20 سهماً حققت صعوداً، وأنه رغم تراجع 79 سهماً، إلا أن نسب الهبوط جاءت منخفضة، وليس كما هو معتاد بالنسبة الدنيا، حيث سجلت العقارية أعلى نسبة هبوط بنحو 6% تقريباً فقط، رغم أننا معتادون أن نشهد العديد من الأسهم تحقق النسبة الدنيا (- 10%) في حالات الهروب الحقيقية من السوق. أكثر من هذا، ففي عز هبوط الأربعاء سجل مسك 8.3% صعوداً. ومن جانب ثالث، فإن قدر من السيولة سيعود للسوق بعد رد الفائض في اكتتاب بترورابغ بما سيعزز من السيولة المتداولة.. كل ذلك يدلل على أن الهبوط كان مفتعلاً للتخويف وربما لإعادة تجميع بعض (ونؤكد بعض) الأسهم من أسفل.. ولكن هل هذا التجميع ينطبق على الأسهم الزراعية وبعض الخدماتية؟.
دلالات الارتفاع السعري
لا تزال آمال كثير من المتداولين العالقين معقودة على استفاقة أسهم المضاربات المعهودة (الزراعية والخدماتية)، وقد تجددت هذه الآمال خلال الأسبوعين الأخيرين عندما بدأت بعض أسهم هذين القطاعين تسجل بعض الربحية، وصلت إلى حوالي 13.6% لثمار و7% للأسماك و3% تقريباً لتبوك وحائل الزراعية، إلا أن هذه الآمال تتبددت في كل مرة مع اتضاح أن هذه الربحية ما هي سوى محاولات لإشعال المضاربات عليها، لا تلبث أن تنطفئ. فعلى المدى الشهري أحرزت كافة أسهم القطاع الزراعي بلا استثناء خسائر بلغت أقصاها للشرقية بنحو 14%، وأدناها لنادك بنحو 0.75%. أما القطاع الخدمي، فقد أحرزت كافة أسهم المضاربات فيه خسائر بلغت أعلاها للباحة بنسبة 20%.
موجة صعود بأسهم جديدة
على مدى الثلاثة شهور الماضية أحرزت بعض أسهم القطاع الصناعي وبالتحديد أسهم البتروكيماويات ارتفاعات سعرية فوق الـ 50%، حيث أحرزت كيان 168%، وسبكيم 73% وينساب 72% والتصنيع 67% والصحراء 64% وسابك والمجموعة 52% وسافكو 51%. ورغم هذه الارتفاعات الكبيرة فإن هناك بعض الأسهم الصناعية لم تتحرك ولم تحظَ بنصيب كافٍ من الربحية.. لذلك، فإن التوقعات تشير إلى توجه السيولة إلى هذه الأسهم الأخرى التي لم تتفاعل مع موجه الصعود حتى الآن، التي قد تقود المؤشر في رحلته الجديدة.
نجاح هيئة السوق
إن الصعود السريع للمؤشر إلى قمم جديدة لن يضيف للسوق استقراراً بقدر ما سيضيف إليه مخاطر جديدة، لأن أياً من هذه المستويات سواء للمؤشر أو للمستويات التي يتوقع أن تسافر إليها سابك أو الراجحي لا تبدو عادلة.. ونحن نتساءل كيف سيعود المسافرون في هذه الأسهم؟.. نعم.. لا مخاوف تحيط بالمؤشر كسابق عهده.. ولكن هذه المخاطر باتت تحيط بالمستثمرين ومحافظهم.. إن أمراً واضحاً الآن هو أن مخاطر المؤشر قد نجحت إدارة السوق في توزيعها على المتداولين في السوق، ولكن السؤال هل ستصدق قاعدة النسبة والتناسب في مشاركة المستثمرين في مكاسب وخسائر السوق؟ أم أن عنصر الاحترافية والإمكانيات سيلعب الدور الرئيسي في تحديد مقدار مشاركة كل مستثمر في أرباح وخسائر السوق.. إن أحوال المتداولين في الشارع لتشير إلى أنه رغم المكاسب الكبيرة للمؤشر خلال الستة شهور الأخيرة (55%)، إلا أن نسبة الخاسرين في السوق لا تزال تتزايد عن معدلاتها الأولى أثناء عام 2006، وبالطبع معظمهم من عوام المساهمين، وليسوا من كبارهم.. إن هذا الأمر ليوضح أن دوراً جديداً وغير معتاد في الاقتصاد الحرّ أصبح يفرض نفسه على هيئة السوق، وهو الدور الاجتماعي لمساعدة المنكوبين في السوق، وبخاصة في ظل استمرار تزايد أعدادهم.. نعم هم السبب في خسائرهم، ولكن ألا يتم البحث عن آليات جديدة لإيقاف معاناتهم والتخفيف منها وفك تعليقاتهم الأبدية.
هل تُرحل أسهم ال(س)
إلى السوق الموازي الجديد؟
رغم عدم وجود إعلان رسمي، إلا إن بوادر سوق موازٍ جديد بات تلوح في الأفق.. صحيح أنه لم يعلن سوى عن انضمام سهم وحيد إليها حتى الآن، إلا أن مضمون سوق في الأوراق المالية يعني عدد من الأسهم ولا يعني بأي حال سهم وحيد.. وليس هذا هو المعضلة، بل المعضلة في ماهية وعدد الأسهم المؤهلة للانضمام إلى هذا السوق الجديد.. بالطبع كافة الأسهم ذات مكررات الربحية السالبة (س) مؤهلة للانضمام لهذا السوق.. البعض يتخوف من هذا السوق الجديد، ويرى أن سهمه إن انضم إليه فإن طامة كبرى ستنزل به.. وجميعنا نرى كذلك أيضاً.. ولكن مفاجآت واقع السوق باتت كثيرة وغير متوقعة في كثير من الأحيان.. ففعلاً هذا السوق سيضم كل ما يمكن طرحه كسلعة غير جيدة مالياً، ونعم سيُضم إليه كل سهم مكرراته ومؤشراته غير مقبولة استثمارياً.. ولكن كيف يرى ويعتقد الآخرون (كمتداولين) في هذه الأسهم.. إنهم يرونها الأفضل مضاربياً والأنشط تداولياً والأفيد حركياً.. لذلك، فرغم فكرة عزل هذه الأسهم عن الأسهم الاستثمارية، إلا إنها في ذات الوقت ستُكون سوقاً ملتهبة مضاربياً.. وربما يحزن الكثيرون على عدم انضمام بقية الأسهم الاستثمارية إليها.. نعم السوق السعودي عودنا على ما هو (غير) وعودنا على كسر القواعد والنظريات الاقتصادية، وعودنا على تقديم استثناءات جديدة لها.. إن خلق سوق موازٍ في السوق المحلي وتدشين الأسهم الخاسرة النشطة فيه.. قد يؤثر سلباً على الوضع التداولي للأسهم الاستثمارية في السوق الرئيسي.. لذلك، فإن الوضع قد ينعكس.. ومخاوف اليوم قد تصبح مكاسب غداً.. بل قد يثار حينها التساؤل: هل انتقال الأسهم إلى هذا السوق الموازي سيحفز الشركات على تحسين أدائها للانتقال إلى السوق الرئيسي أم سيعزز تجاهلها واهتمامها بأدائها المالي حتى لا تنتقل إلى السوق الاستثماري؟
الخداع في لفظي التجميع والسيولة
من أكثر الألفاظ التي تتسبب في خداع وإيهام المتداولين لفظا التجميع والسيولة.. فالأول يستخدم في غير محله، بل كثيراً ما يستخدم بشكل عكسي.. ففي عز فترات التصريف نشهد ما يروج إلى أن السوق يمر بمرحلة تجميع وأنه تجميع طويل ودخول لأول مرة وغيرها من الألفاظ الرنانة التي لا تستخدم سوى للتضليل في فترة غالباً ما يكون السوق فيها يمر بتصريف مؤكد.. وما يزيد من انخداع المتداولين (حتى المحترفين منهم أحياناً) أن البعض يربط بين الصعود والتجميع.. فطالما المؤشر في صعود يعتقدون أن التجميع صادق ومؤكد.. رغم أن النظرية تؤكد أن في نهاية كل صعود يتم التصريف أو بالأحرى أن التصريف يتم لجني الأرباح عند الوصول إلى نقطة معينة يكتفي بها المضاربون، فيبدأون عندها في التصريف الخفي لبيع الكميات الكبيرة التي جمعوها.. أما اللفظ الثاني فهو السيولة التي يستخدمونها في التضليل بأوصاف يسيل لها لعاب المتداولين مثل السيولة الانتهازية أو السيولة الانتقائية أو السيولة الجديدة ومؤخراً السيولة الخليجية أو سيولة مؤسساتية أو سيولة الصناديق.. وللأسف في كثير من المرات لا تصدق هذه السيولة ولا ينجم عنها سوى تضليل وخداع.. ما نود قوله هنا لا ينبغي الانخداع بأنه طالما يمر السوق بمسار صاعد فإن هناك تجميعاً يحدث أو أن سيولة جديدة تدخل.. فقد يحدث العكس تماماً.
(*) محلل اقتصادي
Hassan14369@hotmail.com