يبدو أن المجتمع الإسرائيلي تمر عليه من حين لآخر استفاقات وصحوات, من حالة التخدير و(الفوبيا) التي بثتها به المؤسسة العسكرية الحاكمة من خلال تصوير وتضخيم علاقته بالمجتمعات المجاورة, على أنها علاقة بقاء أو فناء, وأن العدو الفلسطيني ومن يقف خلفه من الأعداء العرب يتحيَّنون الفرص للهجوم ليعيدوا سيناريوهات السبي البابلي والتشريد والشتات التاريخي الذي ما زال يشكل إشكالية نفسية في الذاكرة الوطنية الإسرائيلية. هذه الادعاءات المسيَّسة التي تستغلها الطبقة الحاكمة في إسرائيل من أجل تعبئة المجتمع ونفخه بادعاءت الأمن لأجل التهرب من التزامات السلام، لم تعد تلقى التأثير نفسه داخل المجتمع الإسرائيلي الذي ملَّ وسئم من مزايدات عسكر ومتطرفيها التوراتيين بأمنه وإمكانيات عيشه بسلام في المنطقة.
ففي الوقت الذي يماطل فيه السياسيون الإسرائيليون بصفقة تبادل الأسرى مع الفلسطينيين, ويضعون العراقيل أمامها ويؤكدون على سبيل المثال أن مروان البرغوثي سوف يقبع في السجن إلى ما لا نهاية وطيلة حياتة, بذريعة أنه يقف وراء الكثير من العمليات داخل العمق الإسرائيلي, وأن يداه ملطختان بالدماء, أظهر استطلاع جديد للرأي من دخل المجتمع الإسرائيلي أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون الإفراج عنه مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليت، وقد بلغت هذه النسبة ما يفوق الـ70% ممن شملهم الاستطلاع.
كل هذه الحقائق والتناقضات التي وصلت أيضاً إلى داخل المؤسسة الحاكمة في إسرائيل في قضية البرغوثي وغيرها, تكشف حقيقة المجتمع الإسرائيلي وتناقضاته التي ينضح بها إناء الواقع وتنعكس سلباً على مشروعات وجهود السلام في المنطقة, حتى إن الأمر يصل أحياناً إلى حد التساؤل عن مدى وجود مشروع إجماع وطني في إسرائيل يمكن التعامل معه ككتلة قناعات موحدة وثابتة. فالإسرائيليون متناقضون بين اليمين واليسار وبين اللغة الدبلوماسية المتعارف عليها بين الدول والمعتاد عليها وبين تصريحات التعبئة وإطلاق نذر الحرب بين وقف الاستيطان وبين النظر إليه كواجب مقدس لبقاء الدولة وديمومتها وغيرها الكثير الكثير من متضادات مجتمع تل أبيب ونخبته العسكرية الحاكمة.
إن أهم ما يحتاج إليه المجمتع الإسرائيلي -إن كان يريد العيش بسلام في المنطقة- هو التخلص من عقدة الأمن والحرب, والهروب إلى الأمام من تلك العقدة من خلال إعادة الحقوق المشروعة إلى أهلها والابتعاد عن أساليب البطش والاضطهاد والتفكير الأحادي بالعيش، وقبل ذلك كله عدم الوقوع في شرك ميديا ودعاية العسكرتاريا الحاكمة في إسرائيل.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244