Al Jazirah NewsPaper Saturday  12/01/2008 G Issue 12889
الاقتصادية
السبت 04 محرم 1429   العدد  12889
بريدة.. المدينة الاقتصادية
عبدالعزيز بن ناصر العُمري(*)

قبل عشرات السنين كانت مدينة بريدة هي العاصمة الاقتصادية لمنطقة نجد في وسط المملكة لاشتهار أهلها بالتجارة، وخصوصاً (العقيلات) الذين كانوا يصدرون ويستوردون الكثير من البضائع والمنتجات، وخصوصاً المواشي (الإبل)، لعدد من الدول والمناطق على مستوى العالم العربي.

فلقد كان العقيلات يسيرون ركباناً ومعهم جِمال يصل عددها لأربعين ألفاً، وهم عبارة عن جيش يسير في وسط الصحارى لا يخشى شيئاً، يجوب الديار بحثاً عن الرزق الحلال، من وسط المملكة إلى شمالها، عابرين الحدود إلى الشام ومصر والعراق وفلسطين والسودان وصولاً إلى ليبيا.

ونتيجة لتخصص أهل بريدة بالأعمال التجارية على نطاق واسع شمل معظم الدول العربية، فقد كان لا يوجد في المدينة رجل عاطل، ويذهب معظم رجال المدينة مع العقيلات في رحلاتهم، حيث إن ما يميز هذه المدينة انعدام العاطلين عن العمل لرفض أهلها للبطالة؛ فهي مدينة العمل والتكافل؛ حيث يقوم أغنياؤها بإدخال العاطلين في المنظومة الاقتصادية بطريقة تمويلية تقوم على الثقة والتكافل لتحقيق المصلحة الخاصة والعامة سواء بسواء، وذلك بمنحهم التمويل اللازم لتطوير أعمالهم الخاصة بهم بالمشاركة بما كان يطلق عليه آنذاك (بالبضاعة)، وهي صيغة من صيغ المضاربة الإسلامية على اعتبار أن الرجل الغني يكون شريكاً بالمال والآخر شريكا بالعمل.

وللنساء في بريدة مكانة كبيرة أيضاً في المنظومة الاقتصادية؛ حيث يذكر تاريخ النساء في بريدة وجود سوق عملاق لهن في قلب المدينة، يعمل فيه النساء ويملكن المحلات والبضائع ويشتري منهن الرجال ويشترينَ منهم، وذلك دون تعارض مع احتشامهن وحيائهن واهتماهن بأسرهن وتعليمهن.

واليوم لازالت المدينة (بريدة) كما كانت نشطة بالحركة التجارية، انطلقت من الجردة (مركز أسواق المدينة آنذاك)، وكذلك شارع الخبيب الذي يعج بالحركة الاقتصادية حالياً والممتد شمالاً باسم طريق الملك عبدالعزيز والطرق الرئيسية التجارية المهمة كطريق الملك عبدالله وطريق عمر بن الخطاب وطريق عثمان بن عفان النشطة بالمراكز التجارية وصالات العرض ومحلات الخدمات المفعمة بالحركة الاقتصادية في جميع أطراف المدينة شمالاً وشرقاً و غرباً حتى الدائري المحيط بالمدينة من الاتجاهات الأربع.

وهذه المدينة ذات الموروث الاقتصادي الذي يضرب أطنابه في عدة قرون مضت ويتميز سكانها الذين يزيدون عن خمسمائة ألف نسمة (50% من سكان منطقة القصيم) بارتفاع مستوى الدخل والتعليم والتدين، تتوثب اليوم لتلعب دورها الاقتصادي المعتاد كمدينة تعج بمختلف الأنشطة الاقتصادية المهمة والحيوية التي تُسهم في النهضة الاقتصادية التي تشهدها بلادنا العزيزة المملكة.

فمدينة بريدة مدينة نشيطة في القطاع الزراعي الذي يتوخى الكثيرون منه تحقيق الأمن الغذائي، فوفقاً لموقع ويكبيديا (الموسوعة العلمية) فإن بريدة تقع وسط إقليم زراعي واسع يعد أكبر المناطق الزراعية؛ فهي تملك حوالي 20% من مساحة الأراضي الزراعية بالمملكة. وتعتبر بريدة سلة غذاء المملكة؛ لما تملكه من مزارع ضخمة لإنتاج القمح والخضار والتمور. وفيها أكبر مشاريع الدواجن وإنتاج البيض، وتصدر كميات كبيرة من منتجاتها لجميع مدن المملكة ودول الخليج العربي.

وفي مدينة بريدة توجد مدينة صناعية ضخمة تحوي عدداً من المصانع التي تعمل في أنشطة مختلفة مثل البلاستيك والطوب والزجاج والخرسانة والكثير من الأنشطة الأخرى، كما أنها تضم مصنع إسمنت القصيم الذي وفقاً للمرسوم الملكي الصادر بتأسيسه فإنه يقع في مدينة بريدة.

وبعد سماعي لعدد من الأصوات التي تطالب بوجود مدينة اقتصادية في منطقة القصيم أو وسط المملكة على غرار المدن المزمع إنشاؤها في أنحاء أخرى من المملكة قمت بكتابة هذا المقال للتذكير بوجود هذه المدينة الاقتصادية منذ قديم الزمان حتى وقتنا الحاضر، غير أنه يجب التركيز على هذه الثروة الوطنية وإبرازها كنموذج للتطور يمكن اتباعه وانتهاجه في جميع مدن المملكة النامية وخاصة المدن الاقتصادية في مسيرتها المستقبلية.

ويجب على أبناء مدينة بريدة أن يركزوا على مستقبل مدينتهم وأن يسعوا إلى أن يجعلوها متميزة على غرار دبي وكوالالمبور وغيرها من المدن النامية التي برزت على الساحة العالمية في بضع سنوات من الاهتمام والتطوير؛ وذلك لما يوجد في مدينة بريدة من مقومات تساعدها وتهيئها للحاق بمراكز الصدارة عالمياً وبشكل سريع مع قليل من التفاؤل والتفاني من قِبَل أبنائها المتميزين ماضياً وحاضراً ومستقبلاً إن شاء الله، وهو ما ساعد على استمرار نهضة وعطاء هذه المدينة التي تحتضن اليوم أكبر سوق للتمور وأكبر سوق للإبل في العالم.

(*) كاتب اقتصادي متخصص في التمويل والاستثمار





 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد