إعداد ومتابعة - حسين الشبيلي
إذا ما سلمنا بارتفاع الأسعار بكل مبرراته سواء الداخلية أو الخارجية وبوجهات النظر حوله، هل هذا يجعلنا نقتنع بأداء الأجهزة المختصة لمعالجته؟ إن التجارب السابقة لمثل هذه الأزمات أوجدت ثقافة لدى المواطن تتمثل في تلقف المسببات وطرح التساؤلات بحثاً عن الحقيقة، وفي هذا التحقيق نحاول الإجابة على الكثير من الأسئلة التي يتداولها المواطنون، حول ظاهرة ارتفاع الأسعار وذلك من خلال لقاء بعص الاقتصاديين والمسؤولين ومناقشة القضية معهم، وقد يكون هناك اختلاف في وجهات نظر من التقيناهم حول الكيفية التي تتم بها السيطرة على الأسعار وارتفاعها، وهو ما يجعلنا نطرح هذا التساؤل الذي نعتبره مدخلاً لهذا التحقيق، هل ارتفاع الأسعار بات بعيداً عن السيطرة؟
بدائل ومحاذير
يقول الدكتور فهد السلطان أمين مجلس الغرف السعودية: هناك بدائل ومحاذير لكل بديل من البدائل التي يمكن اتباعها للسيطرة على ارتفاع الأسعار، تتمثل هذه البدائل في التدخل بقرارات إدارية من الحكومة لتحديد الأسعار أو منع ارتفاع بعض السلع الأساسية. وذلك من خلال القيام بتحديد أسعار منخفضة لسلع مثل الغاز، الكهرباء، المياه، والسلع الغذائية الضرورية, وتشديد إجراءات مراقبة الأسعار.. مؤكداً أن هذه السياسة ربما تنجح في وقف زحف التضخم إلى أعلى، ولكن ستكون لها تداعيات سلبية على مناخ الاستثمار.
أما البديل الثاني الذى قام بطرحه للسيطرة على ارتفاع الأسعار فهو التدخل بقرار حكومي لوقف ارتفاع إيجارات العقارات.
أما البديل الثالث الذي طرحه السلطان فهو رفع قيمة الريال أمام الدولار، والرابع هو منع أو تقييد تصدير المنتجات المحلية التي ارتفع ثمنها وخاصة السلع الزراعية. ويقول إن البديل الخامس هو رفع سعر الفائدة. وأما البديل السادس الذى طرحه السلطان هو تقليص النفقات الحكومية.
وحول رؤيتة الشخصية لآليات التعامل مع ظاهرة ارتفاع الأسعار قال الدكتور السلطان: إن ضبط الأسعار يمكن أن يتم عبر محاور عدة: المحور الأول وهو معالجات قصيرة الأجل للسيطرة على الأسعار ومنع ارتفاعها من خلال الآتي:
أولاً: تبني حملة وطنية لتشجيع شركات القطاع الخاص على المبادرة الطوعية من جانبها بالإعلان عن تخفيضات في أسعار بعض السلع الأساسية.
ثانياً: اتخاذ قرار بتخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية، وجميع الرسوم ذات الأثر المماثل على السلع الأساسية التي ارتفعت أسعارها.
ثالثاً: أن يقوم المستوردون بتنويع مصادر استيراد السلع التي ارتفعت أسعارها.
رابعاً: تقليل الوسطاء كلما أمكن، وقيام المستوردين والتجار بالشراء المباشر من مصادر إنتاج السلع أو المصادر الرئيسة لتوزيعها.
خامساً: تشجيع منشآت القطاعين الحكومي والخاص, التي يعمل فيها عدد كبير من الموظفين, على إنشاء جمعيات للخدمات الاستهلاكية.
أما المحور الثاني وهو خاص بالمعالجات طويلة الأجل من خلال وضع إستراتيجية لكبح جماح التضخم وارتفاع الأسعار: ويمكن أن تركز هذه الإستراتيجية على ثلاثة محاور فرعية, هي: الأول: استهداف معدل تضخم محدد يعد الخيار الأفضل في الأجل الطويل استهداف معدل تضخم معين في الغالب يكون في صورة حد أعلى للتضخم، أو يدور حول رقم معين يكون رقماً أحادياً ومنخفضاً في حدود 2 في المائة أو 3 في المائة مثلاً بشرط أن يساعد على تحقيق معدل نمو مناسب (قد لا يقل عن 5 في المائة مثلاً) وهي معدلات تحتاج إلى حسابات دقيقة من الجهات المشرفة على السياسات المالية والنقدية في المملكة.
وهذا يتطلب سياسة مالية ونقدية قائمة على استهداف معدل للتضخم باعتباره خطراً يهدد الاستقرار الاقتصادي ومعدلات النمو في المملكة.
الثاني: تعزيز الشفافية في الإحصاءات الثالث: إعداد إستراتيجية وطنية للتعامل مع ظاهرة ارتفاع الأسعار العالمية. إضافة إلى ما سبق فإن هناك ضرورة لقيام وزارة التجارة والصناعة بوضع إستراتيجية عملية، تستهدف التعامل مع مشكلة ارتفاع الأسعار العالمية، بحيث تحقق التوازن بين حماية المستهلك، وعدم الإضرار بالتجار أو الاقتصاد الوطني.
ويقول: في كل الأحوال وبصرف النظر عن اختلاف الآراء حول الأسباب والحلول، تبقى حقيقة واحدة، وهي ضرورة التحرك سريعاً حتى لا تتفاقم المشكلة، ويتحول التضخم من تضخم زاحف إلى تضخم جامح نكون مضطرين أمامه إلى اتخاذ قرارات اقتصادية مؤلمة. هذا الطرح الاقتصادي الجدير بالوقوف عنده يضاف إليه أطروحات أخرى تطرح كأسئلة: هل ارتفعت الأسعار أم انخفضت القوة الشرائية للريال؟ هل فك الارتباط أجدى أم الاستمرار فيه؟ هل استمرار انخفاض الدولار يعني بالضرورة استمرار موجة ارتفاع الأسعار؟
مسببات الغلاء
ومن جانبه يرى نائب رئيس غرفة الرياض المهندس سعد المعجل أن جزءاً من مسببات الغلاء تعود سببها لعدد من الإجراءات التي كان من الممكن ولايزال ممكناً التخلص منها، ومنها العمالة والمدن الصناعية، مشيراً أن اللجنة الوطنية الصناعية قد أكدت أن تعطيل المدن الصناعية سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وهو ما نراه اليوم.
وفي تعليقه على التقرير الذي خرجت به الوزارة حول النسبة المتوقعة لارتفاع الأسعار العام الحالي قال المعجل: أولاً النسبة البالغة 30% كارتفاع للأسعار أقل من المتوقع كما أن الجهات المسؤولة لم تقم بدورها كاملاً بل ولا مجرد جزء يسير من واجبها، مضيفاً: نحن لسنا بحاجة إلى إستراتيجية وطنية بل إلى قرارات وتنفيذها على أرض الواقع وأخص موضوع المدن الصناعية كمثال.
ولكن عضو مجلس الشورى الدكتور عبدالرحمن الزامل يرى أن الإستراتيجية الوطنية مهمة حيث يقول في هذا الجانب: نعم نحن بحاجة إلى إستراتيجية وطنية للتوجه نحو المنتجات الوطنية. ولو قارنت أسعار المنتجات المستوردة والمحلية ستجد فرقاً شاسعاً، فالزيادة في المنتجات المحلية أقل من الزيادة في المنتجات المستوردة من الخارج. مضيفاً: إننا ما دمنا نستورد 70% من حاجاتنا من الخارج وما دام المواطن يفضل المستورد فإنه لا بد أن يدفع ثمن ذلك. وقال الزامل إنه ليس صحيحاً أن العوامل الخارجية هي الرئيس في التضخم فالتضخم الداخلي هو من له الدور الرئيس.
الإمكانات البشرية
حول دور الأجهزة الحكومية لمواجهة الارتفاع في الأسعار قال المستشار القانوني بهيئة الاستثمار سطام الطيار: إن وزارة التجارة تقوم بالمراقبة لكنها بحاجة إلى إمكانات أكثر من ذلك. وأضاف: الجميع لديه الرغبة في تحسن الأداء لكن أحياناً يكون العائق الإمكانات البشرية أو المادية، فهناك إذاً ضرورة لمنهجية أكبر، فالعبء كبير. مضيفاً: إننا لا نستطيع بالطبع القاء اللوم أو السلبية على جهة معينة، فارتفاع الأسعار قضية اقتصادية عالمية.
وما طرحه الطيار من رؤية للمعالجة وجدت موافقة نائب رئيس مجلس إدارة ملاذ للتأمين محمد العماري حيث قال: ارتفاع الأسعار ناتج عن ارتفاع الطلب العالمي على المنتجات. وأضاف: هناك عوامل أخرى وهي كمثال لا الحصر العوامل الطبيعية، فارتفاع درجة حرارة الأرض ووجود الكوارث الطبيعية وكثرة الفيضانات والزلازل تؤثر على معدل إنتاج المواد الغذائية وارتفاع أسعارها عالمياً.
وفيما يتعلق بغياب الإستراتيجية الوطنية لمواجهة مثل هذه التغلبات قال العماري: نحن لسنا بحاجة إلى إستراتيجية وطنية وما نراه اليوم هو دورات اقتصادية عالمية ويجب الاعتراف أن ارتفاع الدخل أدى إلى ارتفاع السيولة وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار. مضيفاً أنه عادة الدول الأخرى ترفع سعر الفائدة وهو ما يؤدي إلى إحجام الشركات عن الاقتراض وبالتالي تقل السيولة. وقال: لسنا بحاجة إلى استراتيجية وطنية بل اتخاذ قرارات وتنفيذها على أرض الواقع. مشيراً إلى أن زيادة الرواتب سيؤدي زيادة التضخم وهو عامل أساسي للتضخم المحلي وقد تم تجريبها في السبعينات.
زيادة الأجور
رئيس غرفة الرياض عبدالرحمن الجريسي في إجابته على سؤال (الجزيرة) حول الحاجة إلى زيادة أخرى للرواتب قال: زيادة الرواتب لن تكون الحل الأمثل لأنها تضغط على الميزانية واوجب الأخذ بجميع الاحتمالات ونعالج الأمور من النواحي التنظيمية ودعم بعض الأسعار التي يحتاجها المستهلك والمفترض التدخل لاستيراد كميات من المنتجات وقد حصل ذلك في الشعير والسكر. مشيراً إلى وجود أسباب للذي يحدث.. وقال هناك ضرورة لمعالجة المسببات سواء الداخلية أو الخارجية أو نقص في الإمدادات أو نتيجة تحكم جهة معينة أو قطاع معين. ونذكر هنا الأرز فأسبابه معروفة وهو زيادة الطلب العالمي.
ارتفاع أسعار العقار
موضوع العقار أثار ضيوف الجزيرة الذين تم استطلاعهم حول ارتفاع الأسعار فتم تناوله بإسهاب من قبلهم والكثير منهم ربطوه بالتضخم وارتفاع الأسعار. المهندس المعجل بدأ الحديث ل(الجزيرة) بآخر قرار نشرته الصحيفة وعلى لسانه فيما يتعلق بقيام هيئة المدن برفع أسعار الأراضي السكنية، وأضاف أن تكاليف الإنتاج تؤدي كلها إلى زيادة تكلفة المنتج النهائي قائلاً: هيئة المدن الصناعية رفعت أسعار الأراضي المخصصة للسكن بمئات الأضعاف للمتر كما أنها أصبحت تستوفي مبالغ كبيرة على المصانع التي تنتقل ملكيتها إلى ملاك جدد لأغراض صناعية جديدة وهذا كله يؤدي إلى زيادة التكلفة وأحياناً إلى قلة الإنتاج بسبب عدم توفر المدن الصناعية التي يمكن للصناعيين إقامة منشآت جديدة.
وحول علاقة ذلك بالتضخم قال المعجل: لولا توفر الصناعة بالشكل الحالي لرأينا أضعاف الأسعار الحالية.
أما الطيار فقال: بالنسبة للعقار فأرى أن له دوراً في موضوع التضخم وكثير من المحلات التجارية رفعت أسعارها 30% تقريباً وسوف ترتفع أكثر خلال السنوات المقبلة. والارتفاع المتزايد سببه عدم وجود تنظيم لقطاع العقار فهو خالٍ من القوانين والأنظمة، والقوانين إن وجدت فهي عشوائية وكمثال أيضاً فإن المنح التي كانت تعطي بشكل مستمر كان ولا يزال لها أثر سلبي فهي تمر على عشرين مضارباً وكل منهم يأخذ نسبته دون تطوير وفي النهاية العقار له دور أساسي في التضخم.
وأضاف: الحقيقة على الجهات المسؤولة الإسراع في إنهاء انظمته مثل نظام التمويل العقاري لكبح الأسعار وهناك أنظمة خاصة للعقار تعمل الجهات عليها ومتوقع صدور قرارات قريبة بخصوصه، فمع صدورها يتوقع أن يتحسن سوق العقار وبالتالي جعل الأسعار في متناول شريحة كبيرة من المواطنين. أما العماري فقال في هذا الخصوص: إن مشكلة العقار بدأت تنحصر ومع نظام الرهن والتمويل العقاري سيسمح لكل مواطن الشراء وهو الحل، فمهما عملنا لن يستطيع صندوق التنمية العقاري أن ينهي المشكلة، فنحن بحاجة إلى 165 ألف وحدة سنوياً.
الزامل أشار إلى وجه آخر من القضية فقال: الوضع غير طبيعي إذ العرض أقل بكثير من الطلب والسبب ليس فقط المواطن بل الحاجة إلى إسكان العمالة المستقدمة، هذا بالإضافة إلى طلبات المواطنين وأتوقع الزيادة إلى 20%، يجب أن تتدخل الدولة حتى تبدأ مشروعات الإسكان التي يعمل عليها القطاع الخاص. وأضاف الزامل: الخيار الأفضل هو توفير سكن أو بدل سكن على وجه السرعة، فالإسكان له أثر أساسي في التضخم مع الالتفات إلى العاطلين والضمان الصحي... السؤال أجاب بنفسه على سؤال قام بطرحه وهو مسببات ارتفاع أسعار المنتجات الداخلية بالرغم من غياب تأثرها عن العوامل الخارجية يقول المعجل معطياً أمثلة في الموضوع: لو رأينا أسعار الألبان نجد أن المواد البلاستيكية المستخدمة في التغليف والتعبئة فقد قامت سابك برفع أسعار منتجاتها البلاستيكية للسوق المحلي بمعدل الأسعار العالمية وهو ما أثر على السعر النهائي للسلعة كذلك بالنسبة لوسائل النقل فقلة الحصول على تأشيرات السائقين زادت من تكلفة النقل إلى ما يقارب الضعف. مشيراً إلى أن مكرمة خادم الحرمين لتخفيض البنزين كان لها تأثير كبير في توازن الأسعار بالنسبة لقطاع النقل لكن قلة عدد السائقين وازدياد الطلب على النقل رفع الأسعار مع صعوبة نقل المنتجات والمواد الخام.