«الجزيرة» - فيصل الحميد
أظهرت دراسة أجرتها (بوز ألن هاملتون) مؤخراً أن أربعة عوامل رئيسية تتسبب في أزمة المهارات في قطاع النفط والغاز؛ ما يؤثر على خطط التوسع والنمو في القطاع، هي: القوى العاملة المتقدّمة في السن، والحاجة إلى مهارات متخصصة، وحجم العمل المتزايد، إضافة إلى التكاليف المتصاعدة.
وبيَّنت الدراسة أن حوالي 50% من الموظّفين المؤهلين في القطاع تتراوح أعمارهم ما بين أربعين وخمسين سنة، في حين بالكاد يضم القطاع 15% من الموظّفين الشباب.
وقال الدكتور رائد قمبرجي من بوز ألن هاملتون (يحتاج الموظّفون إلى ثلاث سنوات تقريباً لتطوير كفاءاتهم التشغيلية الأساسية في القطاع، وإلى ما يقارب العشر سنوات لتطوير عدة اختصاصات مهنية؛ لذلك يمكن ملاحظة الثغرات القائمة بسهولة).
كما وجدت الدراسة خلال مراجعتها لمجموعة من الشركات أن 22 شركة أمريكية كبرى للنفط والغاز تواجه ثغرات كبيرة في هندسة البترول والجيولوجيا، فضلاً عن بعض الثغرات في اختصاصات تقنية أخرى. إضافة إلى ذلك، يشير 40% تقريباً من أصحاب العمل في القطاع على مستوى العالم إلى وجود صعوبات في ملء المناصب التي تتطلّب عمالة تقنية.
الانعكاسات الإقليمية
بدأت انعكاسات الثغرات في المهارات تتجلّى في الشركات على مستوى العالم، وبخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث تعتبر القوى العاملة الماهرة محدودة. وقد وجدت الدراسة أن هناك قلة قليلة من الأشخاص ذوي الخبرة على مستوى القطاع لدعم العمليات القائمة أو خطط النمو المستقبلية وتنفيذ المشاريع الرئيسية.
وأوضح د. قمبرجي هذه النقطة قائلاً: (ما يشهده القطاع في الواقع هو تراجع لافت في القدرات الوظيفية المتزامن مع غياب التحديد الصحيح لرواتب القوى العاملة الماهرة. فإلى جانب مسألة القوى العاملة المتقدّمة في السن يفتقر القطاع إلى المهارات الجاهزة لدى الموظّفين الذين يتابعون دراساتهم الجامعية. كما نشهد حالياً منافسة متزايدة على استخدام عمال ماهرين؛ ما يعني أن العمال يستقيلون بسرعة لتولّي مناصب ذات مردود أعلى في قطاعات مختلفة).
إضافة إلى ذلك شدّدت الدراسة على أن الإدارة الفعَّالة (لمشاكل المهارات) تُشكّل اليوم تحدياً استراتيجياً للعمل، وأنّ الأرباح القصيرة الأمد لن تجد حلولاً طويلة الأمد للمشكلة؛ لذلك يجب السماح لقسم الموارد البشرية بالاضطلاع بدور استراتيجي أكبر؛ لسدّ الثغرات في المهارات.
واستعرضت الدراسة بعض الحلول للتعامل مع النقص الحاصل في المهارات، وذكرت استحداث إحدى شركات النفط منصب مدير القدرات ضمن مجموعتها المتخصصة بالتكنولوجيا؛ ما أدى إلى تسليط الضوء على الموظّفين الذين يتمتّعون بقدرات خاصة ويلعبون أدواراً محددة في العمل لتحقيق مزيد من التطوير، وبه تم تقليص المدة الزمنية المطلوبة لتطوير طاقم العمل والارتقاء به إلى أعلى مستويات الكفاءة المتوقّعة في الشركة.
تبسيط العمليات:
ومن الحلول التي ذكرتها الدراسة تبسيط العمليات من خلال استخدام التكنولوجيا على نطاق أوسع وتقليص الإجراءات البيروقراطية، كتقليص التقارير في الشركة من حيث العدد والتواتر للتركيز فقط على المعلومات الضرورية. ويمكن المساعدة على تحقيق ذلك من خلال وضع نظم أكثر معيارية لإعداد التقارير، كما يمكن أيضا تنظيم الإجراءات الأخرى الأكثر تقنية وتقليص مدّتها. وفي هذا السياق قال د. قمبرجي: (وجدنا في إحدى الشركات على سبيل المثال أن وضع إطار إلكتروني مبسّط للدراسات الخاصة بالآبار البسيطة سمح لمهندسي المخزون بالتركيز على الآبار الأكثر تعقيداً. كما أنّه يمكن تنفيذ العمليات الشرائية بشكل أكثر فعالية من خلال توحيد معايير المتطلبات وتبسيط عمليات الشراء).
ومن الأدوات الفعَّالة لسدّ الثغرات في المهارات - حسب الدراسة - تطبيق التقنيات الجديدة، وذكرت في هذا السياق تجربة (الآبار الذكية) التي تُستعمل لمراقبة الضغط على سطح الآبار وتسمح بجمع البيانات الميدانية ونقلها من بعيد.
وفي هذا الإطار قال د. قمبرجي: (إنّ استعمال تقنية (الآبار الذكية) يسلّط الضوء على الأتمتة، ويؤدّي بالتالي إلى الحدّ من الحاجة إلى القوى العاملة، فيما يتمّ استعمال موارد أكثر فعالية لهذه الوظيفة. كما تتيح هذه التقنية مراقبة بيانات الآبار فورياً، إضافة إلى الوقت الفعلي؛ ما يسمح باتخاذ قرارات بتحقيق أفضل النتائج من الوقت الفعلي؛ الأمر الذي يؤدّي بدوره إلى زيادة الإنتاج).
وخلصت الدراسة إلى أن قطاع النفط والغاز يواجه تحدياً حقيقياً، سيكون له بالتأكيد وقعٌ ما على خطط التوسُّع والنمو، وبالتالي يحتمل أن ينعكس بشكل أو بآخر في المدى البعيد على أسعار النفط. وتتطلّب مواجهة هذه التحديات التزاماً من أعلى الهرم ونهجاً ثنائياً متشعّباً، والتركيز على التوظيف، وتطوير المواهب والحفاظ عليها.. والأهم من ذلك تغيير أسلوب العمل، وبالتالي تقليص حجم الطلب على المواهب بشكل إيجابي.