كنتُ أشرتُ إلى أنَّ الفتوى الشرعية المبيِّنة لحُكم الاكتتاب في شركة (بترورابغ) سيكون لها أثر لافت في تحديد قرار غالبية المواطنين، وتمنيت على علمائنا الأجلاء ألا يسارعوا في إصدار فتوى الاكتتاب قبل الإحاطة بمجمل الأمور المتعلقة بهذه الشركة التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من شركة أرامكو السعودية التي تغذي خزينة الدولة بإيراداتها المالية. فضيلة الشيخ الدكتور يوسف بن عبدالله الشبيلي أصدر حُكمه في الاكتتاب بشركة (بترورابغ) بعد تروٍّ ودراسة متعمقة لقوائم الشركة المالية، والإحاطة بمجمل الأمور المتعلقة بالاكتتاب، والمصلحة العامة، وبعد أن استفسر من إدارة الشركة حول القروض الربوية الحالية، وتوجُّه الشركة حيالها. ونظراً إلى أهمية الموضوع، واستغلال بعض كبار المستثمرين لفتوى تحريم الاكتتاب التي أصدرها بعض علمائنا الأجلاء، دون الإشارة إلى الفتاوى المجيزة للاكتتاب؛ من أجل إبعاد أكبر قدر من المواطنين وحرمانهم من أكبر الفرص الاستراتيجية التي طرحها لهم ولي الأمر - وفقه الله - أورد نص فتوى فضيلة الشيخ يوسف الشبيلي التي جاء منها:
(الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: إن نشاط هذه الشركة في تكرير النفط والصناعات البتروكيماوية هو نشاط مباح، بل من الأنشطة الضرورية التي نشجع الشركات على الاستثمار فيه. ويبلغ رأسمالها 8.76 مليار ريال. ومن خلال الاتصال بعددٍ من المسؤولين في الشركة والاطلاع على نشرة الإصدار الخاصة بها تبين أن الشركة حصلت قبل ما يقارب السنتين على تمويل من عدد من البنوك، ومعظم هذا التمويل بقروض بفوائد محرمة، وجزء منه بمرابحات إسلامية. وتبلغ نسبة المستغل من هذا التمويل - بعد استبعاد المرابحات الإسلامية وحصص الشركاء المقرضين- حوالي 30% من القيمة الجارية (الحقيقية) لأصول الشركة. وهذه النسبة شاملة لأصل القرض والفوائد المترتبة عليه. وأما الفوائد المحرمة المدفوعة على هذه القروض - وهي تمثل العنصر المحرم في تعاملات الشركة - فبلغت (380 مليون ريال)، أي أقل من 2% من مصروفات الشركة البالغة (20 مليار ريال).
وبناء على ما سبق فالذي يظهر هو جواز الاكتتاب في هذه الشركة؛ لأن نشاطها مباح، وجميع أموال الاكتتاب ستوجه لهذا النشاط المباح، كما نصت على ذلك نشرة الإصدار، ولن يوجَّه منها شيء لسداد القروض.
وقد ظهر جلياً من خلال الاتصال ببعض مسؤولي الشركة حرص عدد منهم على أن تكون معاملاتها إسلامية؛ الأمر الذي لم يكن متيسراً عند الحصول على التمويل؛ بسبب أن معظم البنوك المقرضة في ذلك الوقت لم يكن لديها عقود تمويل إسلامية، وقد تغير الوضع الآن فانتشرت المصارف الإسلامية - ولله الحمد - وظهرت أدوات متعددة للتمويل طويل الأجل وفق صيغ شرعية بما يلبي احتياجات الشركات. وهذا الأمر سيدعم - بإذن الله - التوجُّه الحالي للشركة.....إلخ). (الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ يوسف الشبيلي على الإنترنت).
الشيخ الشبيلي، جزاه الله عن المسلمين خير الجزاء، وجَّه مَن يكتتب في هذه الشركة بأن يبذل جهده في المطالبة بتنقيتها من المعاملات المحرمة، وحثَّ القائمين على الشركة بالمبادرة إلى تحويل جميع تعاملاتها إلى عقود شرعية، وأكد على أن (جواز الاكتتاب في الشركة للمساهمين لا يعفي القائمين عليها من إثم أي معاملة محرمة يأذنون بها ولو قلّت).
الهيئة الشرعية في بنك البلاد قالت بجواز الاكتتاب في (بترورابغ)، وذهبت إلى أن سهم شركة بترورابغ من الأسهم المختلطة، وأن أعضاء الهيئة الشرعية في حكم الأسهم المختلطة على قولين: الأول جواز الاكتتاب في هذا النوع من الأسهم، وهذا رأي فضيلة الشيخ عبدالله المنيع وفضيلة الشيخ عبدالله المطلق وفضيلة الشيخ يوسف الشبيلي. القول الثاني: تحريم الاكتتاب في هذا النوع من الأسهم، وهذا هو رأي فضيلة الشيخ عبدالله العمار وفضيلة الشيخ عبدالعزيز الفوزان وفضيلة الشيخ محمد العصيمي. وخلصت الهيئة الشرعية إلى إصدار القرار رقم 69 الذي نصَّ على: (لما كان نصف أعضاء الهيئة يرون الجواز والنصف الآخر يرون التحريم، فقد تم ترجيح الرأي الذي عليه الرئيس، وهو الجواز، وهو رأي الهيئة الشرعية للبنك بناء على اللوائح المنظمة لعمل الهيئة الشرعية، وبه صدر القرار رقم (69)).
هذه الفتاوى المجيزة للاكتتاب في شركة بترورابغ قابلتها فتاوى أخرى بالتحريم؛ ما قد يدخل المواطنين في حيرة واضطراب، وأحياناً في تناقضات كما حدث في اكتتاب شركة المراعي على سبيل المثال، ويعيدنا إلى طرح اختلاف الفتوى الشرعية في بعض مسائل فقه المعاملات. طرحت في العام 2005 فكرة إنشاء هيئة شرعية متخصصة في المعاملات المالية تتبع سماحة المفتي، أو تنبثق عن هيئة كبار العلماء، ويعهد إليها ولي الأمر إصدار الفتاوى الخاصة بالأسهم، خاصة السوق الأولية التي تشهد توسعاً كبيراً بعد توجه الحكومة - حفظها الله - نحو إشراك المواطنين في جميع الفرص الاستثمارية الاستراتيجية؛ رغبة منها في تحسين أوضاع المواطنين وتنمية مدخراتهم وإشراكهم في ثروات البلاد.
الهيئة الشرعية المركزية يمكن أن تضم مجموعة من كبار العلماء والمختصين الشرعيين في الاقتصاد الإسلامي، والأنظمة المالية، والمصرفية الحديثة، وتتولى إصدار الفتاوى الشرعية في المعاملات المالية وسوق الأسهم على وجه الخصوص بحيث تكون المرجعية الرسمية في مثل هذه القضايا.
وأن تضع هيئة السوق المالية شرطاً لكل الشركات الراغبة في طرح أسهمها للاكتتاب العام بأن يتضمن ملف الشركة قرار الهيئة الشرعية الذي يحدد حُكم الاكتتاب في أسهم الشركة. بهذه الطريقة يمكن جمع جهود العلماء المتفرقة تحت قبة واحدة، ويمكن أيضاً الانتقال بالفتاوى المالية من الأحكام المستقلة إلى الأحكام الجماعية المعينة على تحقيق العمق، الإحاطة الشاملة، الدقة، والمصلحة العامة للمسلمين. إضافة إلى ذلك فإن شرط تضمين حُكم الهيئة الشرعية المختصة في طلب الشركة الموافقة على طرح أسهمها للاكتتاب سيدفع بالشركات السعودية إلى تحقيق شرط الشرعية في معاملاتها المالية، وسيجنب سوق الأسهم السعودية جميع المعاملات المحرمة بإذن الله.
أختم بالقول إن شركة بترورابغ قد اطمأنت إلى تغطية الاكتتاب قبل أن تبدأ في طرح أسهمها في السوق الأولية، ثم حصلت على تعهد البنوك الضامنة لتغطية الاكتتاب، وحصلت أيضاً على تعهد بشراء 50 في المئة من أسهمها من قِبل صناديق الاستثمار، وأعلنت رسمياً يوم أمس الأول تغطية المواطنين للجزء الأكبر من أسهم الأفراد، وهو سيتغطى في اليوم الأخير بمضاعفات ستصيب المتحفظين بحيرة، وبذلك فهي لن تتضرر من أية مؤثرات خارجية قد تمنع شريحة من المواطنين من استخدام حقهم في الاكتتاب بقدر ما سيتضرر المواطن البسيط الذي أثقل كاهليه الغلاء، ونقص الموارد المالية وحُرم من استغلال الفرص الاستثمارية التي وضعها بين يديه ولي الأمر، وفقه الله.
كل ما أرجوه ألا يفقد المواطن البسيط حقه في الاكتتاب الذي وهبه إياه ولي الأمر، وأجاز استخدامه مجموعة من علماء الأمة الثقات المختصين في العلوم الشرعية، والمعاملات المالية، ومنهم عضوان من هيئة كبار العلماء، وألا يُحرم الفقراء والمساكين، الذين من أجلهم خصص ولي الأمر هذا الطرح الضخم لأكبر الشركات الاستراتيجية في قطاعي التكرير والبتروكيماويات، من حقهم في الاكتتاب بسبب اختلاف الفتاوى الشرعية.
فضل بن سعد البوعينين
f.albuainain@hotmail.com