وضع العرب ساسة لبنان وفرقاءه أمام مسؤولياتهم التاريخية والوطنية, من خلال ما توصل إليه وزراء الخارجية العرب من صياغات سياسية تكفل حلحلة الأزمة القابعة على صدر الوطن لبنان، وتتيح له استعادة عافيته الدستورية والمأسسية, التي ضربت في مقتل فيما مضى من الأيام بسبب تعنت بعض الأطراف ورقصها على أوتار العزف الخارجي، وتشبثها بحبال الحزبية الضيقة والتحالفات الخارجية المقيتة.
الإنجاز الذي حققه الوزاري العربي من خلال ركل الكرة وبقوة دبلوماسية إلى ملعب اللبنانيين، لتجاوز إشكالية الفراغ الرئاسي في البلاد بتعجيل انتخاب العماد سليمان للرئاسة, والدعوة إلى الاتفاق الفوري على تشكيل حكومة وحدة وطنية, على أن تكون كفة الترجيح بها لرئيس الجمهورية، وإتباع ذلك كله بصياغة قانون جديد للانتخابات، كل هذه الرزمة من الحلول التي جاءت في ظل التهافت الدولي على الأزمة اللبنانية تعد نجاحاً باهراً وجميلاً للجامعة العربية، وتعتبر بارقة أمل مضيئة في تعريب حلول الأزمات العربية وإخراج منافذ حلولها من أروقة المحيط العربي ذاته بعيداً عن مساومات الفضاء الدولي وبورصة مزايداته الأممية التي آخر ما تهتم به أو تلقي إليه بالاً هو المصلحة العربية في ظل تسابق الأمم على البحث عن مؤاطئ للأقدام في عالم الشرق الأوسط الجديد.
ولكننا حين نفرط بالأمل والغبطة لهذا الدور العربي الإيجابي في الولوج إلى أزمة بيروت وزحزحتها عن مساخن الحدث، (نخشى أننا نخشى) على هذا الدور الجميل من بيروت نفسها, التي بدأت تتحزب بقناعات الفئة والطائفة وانعدمت لدى بعض ساستها في الأيام الماضية قناعات التنازل والتضحية لأجل فلسفة الوطن الواحد, فعلق البلد على مذبح الاختلافات وساد الفراغ الرئاسي وعطلت الدولة وتفاقمت الأزمة المعيشية، وشحن الشارع وأطلقت يد الغوغاء فيه مرات عدة، وتضافرت هذه العوامل كلها لتجمد لبنان وتصيبه بالشلل السياسي، الذي لن ينقذه منه إلا التفات اللبنانيين إلى أنفسهم، واغتنامهم الفرص التي لا تأتي في كل يوم على (طبق من عرب)، وبما أنها قد أتت فإن ذلك يحتم على فرقاء الخارطة اللبنانية العمل بها واستغلالها للملمة أوضاعهم السياسية وتكريس فحواها لإطلاق بداية وطنية جديدة تخلق مناخا وطنيا حاضنا للجميع وكفيلا بمواجهة ما تستقدمه الأيام من أحداث ومؤمرات تتصدى لها وحدة الوطن ومتانة مأسسته، فلطالما تحدث اللبنانيون عن قاعدة (اللا غالب واللا مغلوب) وها هي جهود الجامعة العربية تُسقط ورقة التوت عن الجميع وتضعهم أمام مسؤولياتهم وتوفر تلك القاعدة من خلال طرحها الحلول الوسطية بين الأكثرية والمعارضة في جهد حيادي ودبلوماسية توفيقية ومساع حميدة تحرص على لبنان وتخشى على استقراره وديمومته بقدر ما يخشى عليه البعض الآخر داخله أو بما يفوق ذلك بقليل!
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«9999» ثم أرسلها إلى الكود 82244